( كيف يمكن أن تكون لنا الثقة في المنظومة القضائية بعد كل خيبة الأمل هذه)، مقولة لأم القتيل إريك غارنر الذي تم خنقه في استخدام مفرط للقوة أثناء اعتقاله من قبل عدة أفراد من الشرطة في مدينة نيويورك، وتم نشر مقطع فيديو يصور الواقعة وذلك على نطاق واسع تداولته مواقع التواصل الاجتماعي على مدى الأيام الماضية، ونشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية مقولة الأم الثكلى بعد أن فجعت في ابنها ومن بعده في النظام القضائي الأمريكي برمته. وذلك بعد أن قضت هيئة محلفين كبري بعدم توجيه الاتهام لضابط من البيض متهم في القضية. القضية هذه لم تأتِ بمعزل عن عدد من القضايا المشابهة والتي بدأت في شكل سلسلة من الأحداث تراصفت منذ يونيو الماضي، وكان الضحايا فيها من الملونين السود والمعتدين من افراد الشرطة البيض. وتزامنت حادثة غارنر مع أخرى في ولاية أريزونا، حيث تم قتل شاب أسود أعزل برصاص الشرطة لمجرد الاشتباه، وعلى نفس النسق تمت تبرئة ساحة الشرطي من قبل هيئة محلفين كبري. ولقد بلغت جملة القضايا المشابهة حوالى أربعة قضايا في غضون أربعة أشهر، ما اعتبره ناشطون أمريكيون في حقوق الإنسان تعدياً خطيراً على حقوق الملونين في بلد تضج آلته الإعلامية صباح مساء بحقوق الأقليات. ويقيم الدنيا ولا يقعدها، ويألب المنظمات الحقوقية الدولية على مستوى العالم في قضايا لا يملك لها دليلا ضد دول وأنظمة وأفراد، بل ويغير الخريطة السياسية لدول، في حين يتجاهل دلائل مادية موثقة ضد أفراد ينتمون لجهازه العدلي. لقد أثارت حوادث الاعتداء على الملونين في بلاد تدعي الديمقراطية والحفاظ على حقوق مواطنيها بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الانتماء، أثارت الأحداث هذه مواطنيها هؤلاء في عدد كبير من الولاياتالأمريكية وغصت الشوارع بأعداد كبيرة من البيض والسود والملونين على حد سواء في تظاهرات رفض واستنكار لممارسات الشرطة الأمريكية وبأسوأ من ذلك دعم النظام القضائي لما يمكن تصنيفه وفق ما جرت به الأحداث تمييزاً عنصرياً. ونشطت خلال الأيام الماضيات في الميديا الأمريكية حملات واسعة من قبل الجمعيات الحقوقية، وذلك في محاولة لتعريف الرأي العام بنتائج بحوث وعمليات رصد لمدى تطبيق الديمقراطية ومدى الحفاظ على حقوق الأقليات في أرض يفترض أنها مهد الليبرالية العالمية. وتؤكد كثير من هذه الجمعيات أن هناك عنفاً متأصلاً ضد السود والملونين في أمريكا وخاصة من قبل الأجهزة العدلية. ومما يزيد من غضب الشعب الأمريكي هذه الأيام التقرير الذي تم إعداده من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، والذي أكد الوسائل اللا إنسانية التي تم استخدامها من قبل جهاز الاستخبارات ضد المعتقلين على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي شملت تعذيب المعتقلين والسجناء ووصلت الى حدود غاية في البشاعة واللا إنسانية. وذلك في الفترة ما بين عامي 2002 2006، وهو شيء أثار حفيظة كل دول العالم وجعل العالم كله الآن يترقب وبحذر ما ستؤول اليه الأمور خاصة والتقرير الآن في أضابير مؤسسة يفترض بها أن تكون عدلية، وهي مجلس الأمن الدولي. لقد أدت حوادث الإعتداء على الملونين في أرض الليبرالية والحرية الى إحداث ردات فعل قوية، أججت نيران التوتر العرقي، وفتحت الباب واسعاً لمناقشة المسكوت عنه في النظام القضائي والعدلي في أمريكا، وفيما أكدت عدد من الجمعيات الحقوقية أن النظام الدستوري والقانوني ليس به شوائب كثيرة إلا أن مسألة التطبيق تبقى هي العلامة الفارقة في الأمر ككل. فما زالت عقلية العصور المظلمة تسيطر على الكثيرين. ولا زالت قرون من العنصرية تسيطر على واقع كثير من التداعيات التي تعاني منها الأقليات. ففي رصد غير رسمي قامت به بعض الجهات الناشطة في حقوق الإنسان، في إطار تجدد الجدل حول قضايا العنصرية والاختلاف الطبقي والاقتصادي في المجتمع الأمريكي، قد وجد أن الملونين يعانون أوضاعاً هي الأقل في كل شيء، وأنهم مهمشون في الغالب. كما أكدت الدراسة أن نسبة البطالة بين الملونين ترتفع الى الضعف عنها بين البيض، وأن متوسط دخلهم يقل عن متوسط الدخول بمقدار الثلث، كما وانهم يتعرضون للاشتباه والتفتيش وبأكثر من ذلك للاعتقال بنسبة ترتفع كثيراً عن بقية الأعراق الأخرى. مع أن نسبة ارتكاب الجرائم والمخالفات ترتفع بين البيض عنها بين الملونين، حتى مع الوضع في الاعتبار النسبة المئوية التي تمثلها كل فئة في تكوين المجتمع. وأكدت الدراسة أن 25% من السود تحديداً يعيشون تحت خط الفقر، وأنهم كنتيجة لذلك وأيضاً كسبب من أسباب ذلك، هم الأقل تعليماً والأقل إدراجاً في النظام الصحي. ويؤكد هؤلاء الناشطون، أنه وبعد أكثر من 60 عاماً من إطلاق حركة الحقوق المدنية الأمريكية، التي تغنت بحرية المجتمع الأمريكي من عبودية الانتماءات العرقية، فإن الأوضاع الصعبة التي يعيشها السود والملونين لا زالت تراوح مكانها. إن تاريخ الرق والعبودية في امريكا تاريخ مؤلم وطويل، وذلك منذ أن رست السفينة (ماي فلور) في 1620 على السواحل الشرقية للولايات المتحدة وهي تحمل العشرات من الأفارقة الذين هجروا قسراً من القارة السمراء للعمل في مزارع العبودية هناك. ومنذ تلك اللحظة ارتبطت كلمة (السود) بالعبودية في المفهوم الأمريكي والغربي ككل ولا تزال. وتظل الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الدولة الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان على مر التاريخ منذ أن رست سفن الاسلاف الأوائل لمستوطنيها بقيادة ماركو بوللو وأبادت سكانها الأصليين بطريقة همجية بربرية. وفيما يبدو فإن حركة الحقوق المدنية التي انطلقت منذ العام 1954 على يد مارتن لوثر كينج وضمخت بدماء وعرق كثير من السود ذوي الأصول الأفريقية، يبدو أنها ما زالت بعيدة كل البعد عن أن تؤتي ثمارها في مجتمع لا يزال فيه الإنسان رهين محبسيه من العرق واللون.