أبناء السودان المغتربون يسهمون بقدر كبير في دعم الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة التي يرسلونها لأهلهم يتقاسمون معهم دخلهم مهما كانت قيمته وهم يعيشون وحشة الغربة والبعد عن الوطن والأهل.. ومع ذلك تلاحقهم الجمارك فيما يرسلونه لأهلهم من أجهزة ومعدات. أحد أبناؤنا زرته في جدة بعد انتهاء أيام الحج وأنا أعرف عنه بره بأهله ومساعدته لهم. كلفني بتوصيل شاشة تلفزيون لأسرته وقد كان لديّ مجال في الوزن فقبلت طلبه. عند وصولي مطار الخرطوم حجزت الشاشة بواسطة سلطات جمارك المطار لأنها من الأشياء الخاضعة لرسوم جمركية. قابلت ضباط الجمارك في الصالة وقد أحسنوا استقبالي والتعامل معي بكل تهذيب واحترام وهذا ديدن ضباط الجمارك فهم ينفذون سياسات لا يد لهم فيها. الشاشة صاحبة الموضوع مقاسها 32 بوصة طلبوا مني جمارك أو قل رسوم 1800 ريال سعودي أو 480 دولارًا أربعمائة وثمانون دولارًا» «الف وثمانمائة ريال» «مبلغ قريب من أثنين مليون بالقديم» فدار الحديث بيني وبين الإخوة ضباط جمارك الصالة بصورة ودية بأن هذا المبلغ كبير وهو أكثر من قيمة الشاشة نفسها وأنا أعلم أن قيمتها من المصدر الذي دفعه صاحبها أقل من الألف وخمسمائة ريال يعني الجمارك تزيد على قيمتها الحقيقية بثلاثمائة ريال سعودي. الرسوم الجمركية هي سياسة الدولة ووزارة المالية حسب علمي هي التي تضعها وما على الجمارك إلا تنفيذها. معلوم أن الموازنة العامة تقوم بصفة أساسية على الجمارك والضرائب ومختلف الرسوم التي يبدع الشرع في وضعها وتحديد حجمها حتى تلفق الميزانية وتغطي الفجوة في الميزانية العامة بين الصادرات والواردات والمنصرفات ومعلوم أن فرض الضرائب والرسوم الجمركية هي أسهل وسيلة لتغطية الفجوة في الميزانية. أنا لا معرفة لي بالوسائل المالية والاقتصادية واللوائح والقوانين التي تحكم ذلك ولم أتعامل مع المسائل المتعلقة بالجمارك ورسومها ولكن الرسوم التي فُرضت علي تلك الشاشة مبالغ فيها وغير معقولة وهذا ما جعلني أقارن بين ما تعود به الشاشة من فائدة مادية على: { المنتج أو الصانع اليابان «شركة سوني» { والمسوق السعودية «وكيل سوني» {والمجمرك السوداني «وزارة المالية» طيب خلينا أخي القارئ نشوف دور كل جهة تجاه الشاشة مقطوعة الطاري. {الدولة المصنعة. { قامت بتصميم أحدث التقنية في تصنيع وتصميم الشاشات { ابدعت في تصميم الشكل والحجم والوزن بواسطة مهندسين مهرة. { وفرت المواد الخاصة { وفرت العمالة المتخصصة في المجال { صنعت واختبرت وأخرجت للسوق شاشة 32 بوصة بقيمة 1300 ريال تقريباً شاملة الضرائب وأرباح في حدود 15%. { شحنت البضاعة «الشاشات» لوكيلها سيف ميناء المبلغ للشاشة الواحدة 1300 ريال ألف وثلاثمائة ريال تقريباً. { الدولة المسوقة «وكيل سوني جدة» استلم البضاعة في ميناء جدة وضع فائدة عليها 15% عرضها في محلاته بسعر 1.495% ريالاً «ألف واربعمائة خمسة وتسعين ريالاً» اشترى المغترب السوداني الشاشة من وكيل سوني في جدة ودفع 1500 ريال «الف وخمسمائة ريال» وارسلها لأهله في السودان وصلت مقطوعة الطاري مطار الخرطوم صحبة راكب. تم حجزها في المطار لحين تسديد الرسوم جاءت الرسوم 1.800 ريال «الف وثمانمائة ريال» ما يعادل 480 اربعمائة وثمانين دولارًا بواقع 15 خمسة عشر دولارًا على كل بوصة. أخي القارئ الكريم ده يقولو فيه شنو؟ الدولة المصنعة قامت بكل المراحل التي ذكرناها وفائدتها لا تتعدى ستين دولارًا في الشاشة الواحدة. والدولة المسوقة «الوكيل» لا تتعدى فائدة وكيلها 200 مئتي ريال. أما السودان لا هو صانع ولا هو وكيل ولا طقاه حجر الدغش وتصل فائدته وما دخل خزينته من مقطوعة الطاري ما يعادل أربعمائة وثمانين دولارًا «1800» ألف وثمانمائة ريال سعودي»، ألف وثلاثمائة وعشرين جنيهًا بالسعر الرسمي اثنين الف جنيه بسعر السوق. { إذا افترضنا أن عدد الشاشات التي تدخل السودان في العام ألف شاشة بجمارك 120% مائة وعشرون في المائة، يمكن ان يصل عددها إلى ثلاثة الاف شاشة اذا كانت الجمارك 60 ستين في المائة، وبهذا يزيد دخل الجمارك ويقل ما يدفعه المغترب. { راجعت سعر الشاشة في النت فوجدته في حدود 300 ثلاثمائة دولار من المصدر وتكلفتها بالنسبة للمشتري السوداني بعد الجمارك 900 تسعمائة دولار؟! { لقيت تكلفة شوال السكر عالمياً في حدود 30 ثلاثين دولارًا للجوال 50 ك. وفي السوق عندنا للمشتري ما يعادل 55 خمسة وخمسين دولارًا. إذاً القضية عندنا ليست غلاء سوق ولكن القضية رسوم وجمارك!!