مهام جسام للغاية تبدو في انتظار الوسيط الافريقي الرفيع الذي يدير ملف الجنوب والحركات - منذ سنوات - بتفويض من الاتحاد الأفريقي، عقب التجديد له لعام آخر، وظل السيد ثابو امبيكي الرئيس الأسبق لجمهورية جنوب أفريقيا، يدير الطاولة لحلحة الخلافات القائمة بين حكومتي السودان وجنوب السودان، واوكلت اليه مهام اخرى بالاضافة الى ملف الجنوب والمنطقتين وابيي وهي ملف التفاوض مع المعارضة بشأن انضمامها للحوار الوطني. تحديات عديدة تواجه امبيكي و صعوبات كبيرة في انتظاره، من بينها إحراز تقدم في العديد من المهام التفاوضية الموكلة اليه الا ان الامر يبدو متعثراً للغاية في ظل الظروف السياسية الحالية المعقدة سواء بالنسبة الى التصعيد من جهة دولة الجنوب او ملف المنطقتين المتعثر أصلاً، وهنا ربما يواجه الرجل عقب فراغه من عطلة اعياد الميلاد بتحد آخر تسعى اليه الحركات المتمردة وهو توحيد منصة الحوار بشأن المنطقتين ودارفور ما يسعى اليه قطاع الشمال والثورية بجانب رغبة شركاء دوليين. وحال استمرت دولة الجنوب في ايواء حركات دارفور المسلحة، الامر الذي ترفضه الخرطوم ربما يصبح الوضع ملغماً في غضون الايام القادمة ما ينذر بوضع المزيد من العراقيل في طريق الوسيط امبيكي عقب تهديدات لوحت بها الخرطوم بمطاردة الحركات داخل الاراضي الجنوبية، الامر الذي اعتبرته جوبا بمثابة اعلان حرب. واصطدم الوسيط بعقبات مماثلة، فمنذ ضرب حقل هجليج النفطي في غرب البلاد برز تيار قوي داخل الحكومة السودانية والحزب الحاكم رفض حينها التفاوض مع جوبا. واستند هذا التيار الى أن كل جولات التفاوض السابقة لم تسفر عن نتائج ايجابية، وبالتالي فإن اي تفاوض مستقبلي لن يؤدي الى حلحلة القضايا العالقة، وذهب ابعد من ذلك باعتقاده ان حكومة جنوب السودان لا تؤمن بخيار التفاوض مطلقاً. الا ان حكمة الرجل وصبره اعادت الملف الى الطاولة مرة اخرى. ربما بسبب خبرته في مجال التفاوض فقد سبق وان ادار ملفات مماثلة في كل من ساحل العاج وبورندي والكنغو بالاضافة الى بعض دول الكوميسا، ورغم ان تجارب الرجل تؤهله لذلك الا ان محللين يعتقدون ان الوضع بالنسبة للنزاع بين دولتي السودان وجنوب السودان مختلف للغاية، ومنبع الاختلاف في طبيعة الصراع نفسه اذ يمكن تصنيفه بالتاريخي والمتجذر بجانب انعدام الثقة بين الطرفين وبالتالي يصعب في العديد من الحالات تقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع. ويعتبرامبيكي من الوسطاء القلائل في القارة السمراء الذين صقلتهم التجربة وعركتهم السياسة، فقد نشأ وترعرع منذ نعومة اظافره في بيت تديره السياسة وهو الذي ولد في العام 1942 بمنطقة «ترانسكي» شرق الكاب، وينتمي إلى قبيلة «زوسا» التي ينتمي إليها المناظل نلسون مانديلا. ووالده السيد قوبان امبيكي من أكبر ناشطي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في شرق الكاب، وكذلك شقيقه السيد مولتسي امبيكي القيادي في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وشكك مراقبون في مقدرات الرجل تجاه ملفات التفاوض التي امامه واعتبر البعض ان دوره لم يتخط صفة مراقب وانه لم ينجز اي تقدم يذكر حيال تلك الملفات..ويشير البعض الى عقبات عديدة واجهته ابان فترة رئاسته لجنوب افريقا خلال الاعوام1999 الى 2008 لدورتين متتاليتين، الا انه استطاع تخطيها الى ان تم سحب الثقة منه عقب دخوله مع جاكوب زوما في منافسة على كرسي الرئاسة حسبت بغير النزيهة، واقيل من منصبه كرئيس لدولة جنوب أفريقيا بقرار من المحكمة العليا قبل ان يكمل فترته الثانية. ورغم وصف البعض الرجل بالميل تجاه الخرطوم والعمل لصالحها الا ان العديدين يشهدون بحيادية الرجل في التعامل مع ملفاته، ودفع ملفه الذي ارتبط بالنضال الى نيل ثقة الاتحاد الافريقي ومؤسسات اخرى دولية على رأسها الاممالمتحدة. فقد شارك امبيكي القيادي في حزب مؤتمر الوطني الأفريقي في العمل النضالي في الداخل قبل مغادرته بلاده إلى المهجر، وعمل من أجل تحرير بلاده من نظام حكومة الأقلية البيضاء، وبسبب مواقفه شبه المعتدلة صنف الرجل في خانة الحمائم. عاد أمبيكي إلى وطنه بعد التحول الديمقراطي. وكان من المقربين للمناضل مانديلا ما اكسبه ثقلاً سياسياً اكبر من شخصه.