مع أن زيارة الأستاذ عبد الرحمن مختار إلى زنجبار تمت في الحادي والثلاثين من أغسطس 1965م، إلا أنه قال: »وصلت دار السلام مع وفد سوداني رسمي وقمت على الفور بزيارة الجزيرة المنكوبة، وكانت رائحة الجثث والدماء عالقة بأجوائها وشوارعها وحيطانها وأرصفتها، لدرجة أفسدت معها رائحة القرنفل المعتق التي تهب مع كل نسمة ومع كل اتجاه«. وقال: »كان مرافقي وهو من رجال إعلام زنجبار لا يقوى على كل إجابة، خاصة ونحن نجوب حجرات بعض قصور العرب ومتاجرهم، التي لطخت حيطانها وأبوابها بدمائهم ودماء أسرهم، وكلما سألت عن شيء يقول لي بأن الشيخ عبيد كرومي سيجيبك عن كل تساؤلك.« وقد أجابه كرومي بالفعل عن كل تساؤل بتلك الإجابات الفظة القاسية! السفاح اليوغندي أوكيلو وكان أكثر من ارتكب المجازر يوم الثورة هو المدعو جوزيف أوكيلو. وقد رشحه ذلك الدور الإجرامي الريادي ليكون قائد الثورة ورئيس حكومتها. ولكن خلفيته المهنية كعامل بناء طوب وكونه أميًا حالت بينه وبين تلك الدرجة القيادية الرفيعة. لقد قاد جوزيف أوكيلو الهجوم على مواقع عديدة كالمطار، ومحطة الإذاعة، ومكتب البريد، ومكاتب حكومية أخرى، حتى تمكن من شل حركة الحكومة تمامًا. وكان يساعده في شن الهجمات نحو ستمائة مقاتل من كوادر الحزب الإفريقي الشيرازي، ونحو مائتي مقاتل من كوادر حزب الأمة. وقد دخل هؤلاء في نطاق الثورة في اليوم التالي، وكانوا أشد مراسًا من الأوائل، وتسلحوا ببنادق أوتوماتيكية ومسدسات، وكانوا قد تلقوا تدريبات عسكرية على خوض حرب العصابات في كل من الصين وكوبا. وكان بعضهم يتحدث باللغة الإسبانية، الأمر الذي أشاع أن بعض الجنود الكوبيين السود كانوا يقاتلون مع المتمردين وهو ما لم يكن صحيحًا. تراخي الحكومة الزنجبارية وربما تساءل سائل ما هو دور الحكومة الزنجبارية وماذا كانت تعمل؟ وماذا كانت تنتظر؟! لم تعمل الحكومة الزنجبارية على حماية نفسها وحماية مواطنيها من المتمردين وإجرامهم، رغم أن الأجواء كانت تمهد للثورة والمذابح. ومع أن الحديث عن خطط الثورة ظل جاريًا على الألسن لعدة أشهر قبل وقوعها، إلا أن الحكومة الزنجبارية، كانت كحكومة الصادق المهدي في الثمانينيات، مرتجفة إزاء الخطر الماثل، ولم تتخذ أي إجراءات جدية ضد المتآمرين. والغريب أن السلطان الزنجباري، المدعو جمشيد بن عبد الله خليفة، ومعه رئيس وزرائه تجاهلا تحذيرًا من وزير خارجيتهما، المدعو محمد فوزي، عن أن الفتنة تكاد تقع. وقد ضحك وزير الداخلية، المدعو علي محسن، من تقرير عُرض عليه يحذره من ثورة وشيكة تطيح بالحكم. وقال الوزير في معرض استهزائه بالتحذير إنه قرأ نحو خمسين تقريرًا في غضون العام ونصف العام الماضي تشابه هذا التقرير اتضح زيفها جميعًا. حق عليهم القول! وحتى قبل ساعات من قيام الثورة ظلت الحكومة الزنجبارية تتجاهل النذر المتتالية. وعندما تلقت تقريرًا جاء به جاسوس كان مندسًا وسط المتمردين، يقول بأن المتمردين يجتمعون الآن في ناد بالعاصمة، ويتلقون التعليمات من قادة الحزب الإفريقي الشيرازي، ويتوجهون إلى مقار جهاز الشرطة لانتزاع أسلحتها، لم تستطع أن تتجه الحكومة الزنجبارية لإعلام جهاز الشرطة بالنبأ حتى لا يؤخذ على حين غرة وتنتزع أسلحته منه. ومن قبل لم تقم بتسليح جهاز الشرطة تسليحًا جيدًا ليواجههم بكفاءة عالية كما هو المرجو. وفي الحقيقة فإن الحكومة الزنجبارية قد أهملت أمر الشرطة إهمالاً بالغًا، مع أن الحال كان يقتضي أن تهتم بتسليحه تسليحًا مناسبًا، لأن الحكومة لم تكن تملك جيشًا، وذلك منذ أن نالت الجزيرة استقلالها من الإنجليز. وفي النهاية لم تتمكن الحكومة الزنجبارية من حشد أكثر من مائتين وخمسين شرطيًَا، لتقاوم بهم المتمردين. وحتى هؤلاء فقد كانوا يعانون من الإهمال، وسوء الأوضاع، حتى إن بعضهم انتهى أمرهم بالانضمام إلى المتمردين.وعند اشتداد هجوم المتمردين على مباني الحكومة، لم يجد رئيس الوزراء الزنجباري إلا أن يوجه نداء استغاثة إلى كل من الرئيس الكيني جومو كينياتا، والرئيس التنزاني جوليوس نيريري، لإرسال جنودهما لحمايته. وما درى أن كليهما كان متآمرا مع المتمرين! وتذكر المراجع أن جوموكنياتا كان على علم بأمر التمرد وإن لم يعلم بموعده بشكل أكيد، وقد وافق على طلب المتمردين بألا يرسل فريقًا من الجيش الكيني ليعين الحكومة الزنجبارية ضد تحركاتهم. وأما جوليوس نيريري فقد كان على علم بكل شيء. وكان منخرطًا في المؤامرة، ولم يكن من شأنه بالتالي أن يعين الزنجباريين أو يقيهم مصارعهم على أيدي المتمردين. وهكذا أُطبق على عرب الجزيرة من كل النواحي. وهكذا سقطت الحكومة الزنجبارية، وفر السلطان جمشيد، ووصل إلى لندن، حيث ظل يعيش هناك إلى وقت قريب. وقُتل في الأيام التالية نحو عشرين ألفًا من المواطنين، معظمهم من العرب، على أيدي المتمردين اليساريين الأفارقة والشيعة الإيرانيين الحاقدين. مقطع فيديو حي للمذبحة وهناك مقطع فيديو ذو وضوح عال جدًا، طوله سبع دقائق ونصف، مأخوذ من التلفاز البلجيكي، وعليه الترجمة العربية والإنجليزية، يصور مراحل إحدى المذابح المروعة التي حاقت بعرب زنجبار. ويظهر الفيديو كيف حشد المتمردون في إحدى القرى، نحو خمسة آلاف من العرب الزنجباريين، بينهم الكثير من النساء والأطفال وساقوهم في طوابير جماعية ثم أعدموهم جميعًا في ساحة إحدى المقابر الإسلامية. وتشاهد في الفيديو مناظر إطلاق النار على هؤلاء البشر العزل. وترى الطيور الضخمة تنقض على الجثث المسجاة وتلتهمها. ثم تشاهد عملية دفن الجثث بصورة جماعية في حفر كبيرة كانوا أعدوها سلفًا لدفنهم. وترى الأرض حول الحفر مخضبة بدماء الضحايا. ويمكن مشاهدة هذه المناظر المفزعة كلها على الإنترنيت تحت عنوان: «http://www.almakan.net/vb/showthread.php?t=13789» http://www.almakan.net/vb/showthread.php?t=13789 وهناك مقطع فيديو آخر طوله دقيقتان ونصف تجده على الإنترنيت تحت عنوان: HYPERLINK «http://www.youtube.com/watch?v=Eym0IYGZcxY&feature=related» http://www.youtube.com/watch?v=Eym0IYGZcxY&feature=related