العالم يحتفل هذه الأيام بالمعاقين، والاسم هذا لا يجد استحساناً في نفسي، فالمعاق هو من لا يستطيع فعل شيء يفعله الأصحاء لوجود عائق يمنعه.. ذوو الاحتياجات الخاصة غير معاقين؛ لأن من بينهم من استطاع أن يفعل ما لم يفعله الأصحاء، عندما كنت طفلة كانت تحيطني عزيمة أكبر من عمري، عزيمة تجبرني على أن أتخيَّل أنه لا بد أن أصبح رقماً في المجتمع، لم أحدِّد حينها ما الذي أحبّ أن أكون ولكن هنالك أفكارًا كثيرة ومشتتة واعتقاداً غريباً أنه سوف لن أكون شيئاً؛ لأنني غير معاقة، أحببت الفنانة حنان النيل حبًا عميقًا وكنت أتخيل أنها ما كانت لتصبح بمثل هذا الإبداع إن لم تكن مكفوفة، كنت اقتدي بها في كثير من المواقف التي تواجهني حيث دائمًا ما أعقد مقارنة بينها وبين المبصرين فأجدها تفوقهم من نواحي العزيمة والإصرار، حنان النيل التي أصبحت من أعز صديقاتي الآن، وبعد اعتزالها الغناء أصبحت من أميز أساتذة الحاسوب بالجامعات، هذه الفئة تمتلك روحًا شفافة بالجمال، أتذكر أنه في عام 2005 وقد كنت طالبة جامعية حينها ذهبت مع صديقتي العزيزة (تفاحة) إلى دار المكفوفين ببحري، وقد سعدت جدًا بتلك الزيارة التي أصبحت بؤرة لصداقات عميقة تحفني بجمالها إلى يومي هذا، في ذاك اليوم تعرَّفت على الأخ العزيز جدًا عاطف محمد عثمان، وعاطف هذا يملك قلبًا محبِّاً للخير لم أرَ مثله في حياتي قط، يساعد المحتاجين والضعفاء من المبصرين سوف لن أقصم ظهره بالحديث عن أعماله الجليلة ولكن دائمًا ما تحضرني كلماته عندما تحدَّث سائلاً الأخت تفاحة: (يا تفاحة إن شاء الله راحيل دي بتشوف ما عميانة؟؟) وذلك لأن غالبية من يرتادون الدار من المكفوفين، ورأيت الفرحة تطفق إلى قسماته عندما جاء ردهًا بالإيجاب، وأسعدتني الروح النقية، وعندما كنت طفلة أيضاً عشقت برنامج الصلات الطيبة وتمنيت أن أكون معاقة بأي نوع من الإعاقات حتى يستضيفني الأستاذ محجوب عبد الحفيظ عليه الرحمة فأظهر في التلفزيون ويشاهدني آلاف الناس عبر الشاشة فأحقق طموحي بأن (أكون)، وكان سبب تيقني من اعتقادي أن الفرد إذا كان سليمًا جسدياً لن يستطيع فعل شيء يميّزه عن الآخرين، إن العشرات ممن يحيطون بي في المجتمع لم يكونوا شيئاً كما أحب، هذه كانت نظرتي لذوي الاحتياجات الخاصة في طفولتي، لم تتغيّر الآن بل تشبعت إيمانًا أنهم أهم الشرائح المجتمعية، ونحمد الله أن مجتمعنا السوداني قد أصبح واعياً بالدور الفعال لهؤلاء، فقديمًا لا تتاح لهم مجرد فرصة الخروج من المنازل إلا بصحبة آخرين بدعوى المساعدة، والآن تمتلئ بهم الطرقات يسيرون لوحدهم تحفهم العزيمة وحب الاعتماد على الذات، فقط على الحكومة أن توسع مواعين العمل حتى تستوعب عددًا أكبر منهم فقد يكونوا أكثر إنتاجاً من غيرهم، وعليها أن تتساند مع منظمات المجتمع وأفراده في دعم المراكز الخاصة بتأهيلهم، فمعظم المراكز تفتقر المقومات وتؤدي واجبها بإصرار الشباب القائمين على أمرها والمؤمنين بالدور الكبير لهذه الفئات إذا ما تم تأهيلهم.