عشنا لنرى تقلبات السياسة والحزب الشيوعي يفتح قلبه قبل داره لنائب القائم بالأعمال الامريكي في الخرطوم، الذي هو بالتأكيد مندوب المخابرات المركزية الأمريكية (C.I.A)، والذي التقى بسكرتير عام الحزب محمد إبراهيم نقد الأسبوع الماضي، وناقش معه باستفاضة قضايا الوضع السياسي الداخلي كما جاء في أخبار صحف الخرطوم. وما ركزت عليه الصحف مما قاله السيد محمد إبراهيم نقد، ليس هو جوهر القضية، أن يقول سكرتير عام الحزب لضيفه الأمريكي، إنهم يرفضون إسقاط الحكومة عبر التدخل الخارجي، إنما جوهر الأمر في ذوبان الفواصل والموانع النفسية لحزب حيزبون مثل الحزب الشيوعي، ويستسهل مقابلة مندوبي ال «سي. أي. أيه» والدبلوماسيين الأمريكيين، والتفاكر معهم حول الكيفية التي يسقطون بها النظام والتعاون معاً!! صحيح أن نقد كما جاء في الخبر المنشور عن اللقاء، أعلن رفض الحزب التغيير وإسقاط النظام عبر التدخل الخارجي، لكن ذلك لا يعني أن الحزب الشيوعي يعمل الآن ولا يزال ويتآمر منذ فترة لإسقاط النظام عبر التدخل الخارجي، فمعروف علاقة الحزب وتماهيه في الحركة الشعبية وتعاونه المطلق معها ضد السلطة القائمة، ووجود كوادره في صفوف الحركة الشعبية وحركات دارفور التي تسعى عبر العمل المسلح المدعوم من الخارج لإسقاط النظام، فكل هذه تتناقض مع ما موقف الحزب المعلن في اللقاء مع الدبلوماسي ورجل المخابرات الأمريكية. كما أنه من المعلوم في السياسة السودانية والعربية والإفريقية بالضرورة، أن اليسار والشيوعيين على وجه الخصوص صاروا هم رجال الصف الأول في قائمة العملاء للولايات المتحدةالأمريكية، ولم يظهر مصطلح اليسار الأمريكي من فراغ، فقد صار الشيوعيون هم سماسرة في سوق المعلومات المقدمة للأمريكيين، وهم أول المتبرعين بكشف ما يحدث في الساحات النضالية في العالم الثالث، سيما الوطن العربي الذي انتشرت فيه ظاهرة الشيوعيين المتأمركين الجدد. والحزب الشيوعي السوداني ليس يسوعاً بين هذه الزمرة الآثمة من شيوعيي العالم الثالث، فهو عريق جداً في عمالته للغرب الرأسمالي قبل أن يكون ذيلاً للاتحاد السوفيتي المقبور، فقد تحولت الدفة نحو واشنطون التي صارت المكان الأقدس بعد موسكو، فقد عشق الشيوعيون السودانيون وكوادرهم العيش في الجلباب الأمريكي، فخلال العشرين سنة الماضية كان شيوعيو السودان هم أكثر مصادر المعلومات لدى مكاتب المخابرات العربية والغربية وخاصة الأمريكية، عما يجري في بلدهم، وتاريخ تعاونهم مع أمريكا معروف وموثق منذ خمسينيات القرن الماضي، ولا نحتاج لتفصيل كثير عنها هنا في هذا الحيز الضيق. لكن الشاهد في الحديث أن الحزب الذي يقول سكرتيره العام لرجل المخابرات الأمريكية إن وسائلهم لإسقاط النظام أو لمعارضتها لن تتغير خاصة من خلال الترتيبات للعصيان المدني والمظاهرات والاعتصامات وغيرها، ليس هذا الحديث هو مربط الفرس، فليس هناك موقف وطني واضح للحزب الشيوعي الضالع في أعمال كثيرة تستهدف أمن البلاد واستقرارها، وما يتخذه الحزب من تقية اليوم ويسربها لوسائل الإعلام والصحف، لا تنفي عنه صفة أنه حزب متآمر يريد التخفي وراء الكلمات الملقاة جزافاً لخداع الرأي العام، بينما كل المصائب كانت من تحت رأس هذا الحزب، ودون الناس ما حدث في جنوب كردفان ودور الشيوعيين في تأجيج النيران ونفخ الكير حتى يعلو اللهب وتستعر حرارة الجمر ولظى الحرب. والإدارة الأمريكية وأجهزة مخابراتها لا تريد من الحزب الشيوعي إلا أن يكون ضمن الجوقة الموسيقية المصاحبة لتغيير النظام في الخرطوم، ويستحبب الحزب وهو في خريف عمره أن يدق الطبلة وبأيديه الراعشة يلاعب بيانو السياسة الرقطاء، بعد أن ارتضى لنفسه التمرغ عند القدم الأمريكية المتعجرفة.