اليوم هو العاشر من شهر رمضان لعام 1432ه، حيث مضى ثلث الشهر الكريم، شهر الصيام وهو أحد أركان الإسلام، شهر القرآن حيث اختص بنزول القرآن الكريم فيه، وشهر التراويح وليلة القدر، وغير ذلك من الخصائص العظيمة التي اختص الله بها هذا الشهر الكريم، وكما قال الله عز وجل «إن سعيكم لشتى» وكما هو شأن البشر عموماً فقد تباين الناس في سعيهم وفيما يقدمون لأنفسهم في هذا الشهر العظيم، وأتناول فيما يلي نماذج لمن أحسنوا وأخر لمن أساءوا في هذه الفترة المنصرمة من هذا الشهر دفعني لذلك النصيحة والتواصي بالحق الذي هو من أعظم شعائر ديننا.. * لقد أحسن كثير من التجار وأصحاب الأموال بما قدموا ويقدمون من إنفاق وبذل للمال يتمثل في الصدقات وإخراج الزكوات وتفطير الصائمين وتحريهم لأهلها، ويثلج الصدر ما علمناه عن بعض من رزقهم الله من المال فقاموا بتفطير الصائمين، ووصلوا إليهم في أماكنهم وقد بلغ عدد بعض الصائمين في بعض مساجد الأسواق قرابة الألفي صائم، فهنيئاً لهؤلاء التجار بما يقومون به من عمل جليل، وهنيئاً لمن يساعدهم من متطوعين تدمع العين عند رؤيتهم وهم يتفانون في عملهم.. فتراهم يؤثرون على أنفسهم بتقديم الفطر لإخوتهم قبل أنفسهم.. أسأل الله أن يكتب لهؤلاء الإخوة التجار الأجر العظيم، وأن يجزيهم بالوعد الكريم الذي ورد في فضل القيام بهذا العمل النبيل.. وأهمس في أذن غيرهم من الإخوة التجار بالمسارعة ودخول ميدان التنافس قبل فوات الأوان.. وليتحروا الفقراء والمحتاجين وليذهبوا إليهم في أماكنهم وأحيائهم وحيث يجتمعون.. فإن بعض الإخوة أصحاب الأموال يفتحون بيوتهم لمن يقدم إليهم في ديارهم ويجودون عليهم، ومن المعلوم أنه قد لا يأتي كثيرون ممن يتعففون وهم أشد حاجة ممن يقدمون إليهم، وبالتالي فأجر من لا يأتون وهم أشد فقراً أعظم من أجر غيرهم ممن هم دونهم، وتفطير كليهما هو من الخير العظيم إلا أن الأكثر توفيقاً هو من يوفق لخير الخيرين.. * وقد أساء بعض التجار إذ استقبلوا شهر الجود والخير برفع للأسعار، وطمع في أرباح مضاعفة، واستغلال حاجة الناس، في نظرة «أنانية» لا يُقدم عليها من يحب لإخوانه ما يحب لنفسه وهي مرتبة سامية يوفق لها من كمل إيمانهم، ف «من لا يَرْحَم لا يُرْحَم» كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وليتق الله هؤلاء التجار الطامعون وليقنعوا بقليل من الفائدة، وليعلموا أن ما أقدموا عليه من رفع للأسعار وجشع غير مبرر هو مما لن يجدوا له بركة بل هو مما يمحق البركة، ونحن في بلاد أكثر أهلها فقراء ومعدمين.. فإن الرحمة بهؤلاء الضعفاء والفقراء وغيرهم هي من أعظم أسباب البركة في الرزق ونماء المال وقد أخبرنا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: «وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟!»، فما هكذا تكون التجارة!! وما هكذا يكون الربح!! وقليل مبارك فيه خير من كثير لا بركة فيه.. * وقد أحسن كثيرون بمختلف أعمارهم باستغلال أوقاتهم في قراءة القرآن الكريم وتلاوته وفهم معانيه وتدبره وعزموا على ختمه مرات عديدة، وحرصوا على صلاة التراويح ولم يزهدوا فيها، واجتنبوا اللغو وابتعدوا عن المنكرات بأشكالها وأنواعها «المسموع والمرئي والمقروء».. فهنيئاً لهم بذلك، وهنيئاً لهم بهذا الاستغلال الموفق لأيام وليالي هذا الشهر العظيم، وأساء آخرون فمرت بهم هذه الأيام وكأنها أي أيام!! فلم يعظموها ولم يقدروا لها قدرها ولم يجتهدوا فيها، بل وقع بعضهم فيما يُغضب الله تعالى فاقتفوا المحرمات وتركوا الواجبات في نهار رمضان أو في ليله، فنسوا ذكر الله إلا قليلاً.. وانشغلوا بغير كتاب الله، وقضوا الساعات الطوال في اللعب واللهو ومشاهدة ما حرمت مشاهدته.. وزهدوا في دخول السباق وقد اشتد، وظلموا أنفسهم وهي الأفقر للتعرض لنفحات الله، والتزود للسفر الطويل، أسأل الله لهم الهداية وأن يفيقوا من غفلتهم وأن يُرُوا الله من أنفسهم خيراً، فمن أقبل على الله أقبل عليه ومن أعرض عن ربه أعرض عنه والجزاء من جنس العمل..