ثم قال مسؤول التنظيم بحزب المؤتمر الشعبي في سياق تبريراته لتحالفهم مع الشيوعيين : إجابة على سؤال صحيفة آخر لحظة : (إذاً الشيوعيون في السودان الآن يؤمنون بالله واليوم الآخر؟) فأجاب : (الإيمان في القلب..أنا أتحدث عن »الظاهر« والظاهر أنهم يريدون حرية وديمقراطية، وهذا ما يجمعنا معهم) قلت : قوله : الإيمان في القلب هو حيدة عن الإجابة الواضحة ، فالإيمان قول وعمل واعتقاد ، فنطق الشهادتين من الإيمان والصلاة من الإيمان وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان والبراءة من المذاهب الهدامة من الإيمان ... وغير ذلك !! ، وقولك : إنهم يريدون حرية ، فقد سبق بيان أن من أبرز مظاهر الاشتراكية هو التسلط على الحريات الفردية والمنع من التملك الفردي بدعوى الملكية العامة ، وهو شيء يتعلق أخص خصوصيات الإنسان (ما يملكه ويقتنيه) ، وقول السنوسي عن الشيوعيين (وهذا ما يجمعنا معهم ) يتناقض بجلاء مع قوله التالي : (لماذا الإصرار على أنه تحالف؟ إنه اتفاق وتآلف فكري، بالحوار يمكن فعل كل شيء، الرسول صلى الله عليه وسلم تحالف مع بعض قبائل قريش الكافرة وأسلمت فيما بعد، فهذا التقارب الفكري هو الذي سيقود إلى أسباب الهداية) فليثبت السنوسي على جانب من هذه الجوانب ولا يأتي بالمتناقضات ؟! هل الأمر هو تحالف كما كرر كثيراً في هذا اللقاء وأنه اجتماع و(تآلف فكري) على أمور مشتركة كما هو الواضح المعلن؟! أم أنه طريق وسبيل للتقارب مع الشيوعيين لأجل هدايتهم ؟! فقد تناقضت التبريرات تناقضاً جلياً حتى بعث الشفقة على من صدرت منه فضلاً عن من يراد إقناعه من الأتباع وبقية (المتعاطفين) ، وإذا كان بالحوار يمكن فعل كل شيء كما يقول ويمكن الوصول لكل شيء مع ألد أعداء الأمس ، فلماذا لا يكون ذلك مع من هم أقرب إليكم في (أفكاركم) ؟! ثم التناقض الآخر في قول السنوسي : (فهذا التقارب الفكري هو الذي سيقود إلى أسباب الهداية) وقوله : (إذا افترضنا أن الشيوعيين كفاراً من الذي سيهديهم إلى الدخول إلى الإسلام؟ نحن كحركة وإسلاميين هذا هو دورنا ) إذاً هو يبرر لهذا التحالف والاتفاق أنه سيقود إلى هداية الشيوعيين ، وقد تناولت في الحلقة الماضية قول السنوسي التالي : (فالشيوعيون لم يعودوا هم الذين كانوا في روسيا وليس هم من يقولون الدين خرافة وغيره من أفكارهم، فهم الآن يصلون معنا وينادون بمبادئنا..) وقال أيضاً : (زُج ببعض من إخواننا في سجن كوبر، وكان معهم صديق يوسف عضو اللجنة المركزية بالشيوعي فعندما رأوه نفروا منه وابتعدوا، إلا أنهم رأوه يصلي وحده فجعلوه إماماً لهم فيما بعد،) ، إذاً هداية منكم إليهم في أي شيء ؟! طالما أنك تدعي أن الشيوعيين يصلون معكم وينادون بمبادئكم بل ويؤمون في الصلاة بعض (إخوانكم) ؟! بل إن السنوسي ذهب لأكثر من ذلك عندما قال : (ما تركته الشيوعية لإصلاح الشعب الروسي هو إنساني لا يمنع المسلم أن ينشد الحكمة أينما وجدها) فالسنوسي يلتمس الهدى من الشيوعية في بعض الجوانب ، وهو غير ما قاله في العبارة السابقة ، فهويشهد أنهم يحملون نفس مبادئهم وفي ذات الوقت يبرر بأنهم يسعون لهدايتهم !!! مما يوضح تهافت هذه التبريرات وتناقضها ، وعدم واقعيتها . ثم قال : (ومن تحدث عن تحالفنا مع الشيوعيين هو المؤتمر الوطني وقصد به التشويش وعزّ عليهم أن يروا هذا التحالف) قلت : ليس هو المؤتمر الوطني فقط وإنما تناول هذا التحالف كثيرون من غير المؤتمر الوطني ، وإن كان لم يعد من المستغرب أن يصدر من حزب المؤتمر الشعبي أو غيره من كثير من السياسيين في بلادنا مثل هذه المواقف ، لكن الاستغراب كان يعود لعدم جدوى هذا التحالف مع حزب ليس له من الوجود أو التأثير شيء يذكر ،أو شيء ينتفع به من يتحالف معه لتحقيق هدفه وهو الوصول للسلطة ، فإن المبادئ الشرعية والثوابت الدينية لا تراعى في مواقف زعيم هذا الحزب د.حسن الترابي ولا في تصريحاته المتتالية ، ولكن الضياع في تقدير الأمور لهذه الدرجة بأن جعلكم تتحالفون مع الشيوعيين هو ما استغرب له الكثيرون وكما قال أحد العلماء قديماً في رده على الترابي : (أنت لم تفلح في محاربة ما تسميه بالشرك الشعائري التقليدي ، كما أنك لم تفلح في ما أظهرت إجادتك له وهو ما تسميه الشرك السياسي) . ثم قال السنوسي : (فالشيوعيون قوة نشطة وفاعلة) قلت : أين هذه القوة وأين نشاطها وفاعليتها ؟! ومع عدم رؤيتنا لشيء من ذلك إلا أنه يقال : وهل هذه هي التي باتت مقومات التوفيق والنجاح في نظركم ؟! أين (التقوى) و(القوي الأمين) (وإنني شعب رسالي) وأين هتاف : (مسلمٌ قالت جموعي لست بعثي لا شيوعي) وأين (إنا سلكنا طريقاً قد خبرناه)؟! من كان يتوقع أن نعيش حتى نرى منظري وزعماء تلك الشعارات يلتمسون القوة والفاعلية في بقايا من كانوا في أحسن أحوالهم يفوزون بثلاثة أو أربعة مقاعد في الانتخابات من أتباع ماركس ولينين ؟! ثم قال : (وإن عابوا علينا ذلك أليس هم من تعاونوا مع الحركة الشعبية التي جاءت انطلاقاً من الماركسية وجعلوا من د.قرنق نائباً أول »أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم..«) وهل أفعال وتصرفات الأفراد أصبحت هي المرجعية لديكم ؟! فهل أنتم تستدلون بما ترون أنه خطأ لتبرير أخطائكم ؟! إذاً لماذا الخصام من قبلكم طالما أنتم تقعون في نفس الذي تخطئون به غيركم ؟! وهل هذا الاستدلال يقتنع به السنوسي في شخصه أو المؤتمر الشعبي قبل أن يكون سياقه لأجل تبرير هذا التحالف مع أتباع الماركسية اللينينية الذين ننتظر منهم تأكيداً وإثباتاً أو نفياً لما ذكره (الشيخ) السنوسي عنهم من أنهم يصلون ويأخذون بمبادئ المسلمين .. هذه تعليقات موجزة على التبريرات التي ذكرها السنوسي مسؤول التنظيم بالمؤتمر الشعبي بشأن تحالفهم مع الشيوعيين ، وأما شيخهم الترابي فقد نشر له بصحيفة الصحافة الصادرة يوم الأول من ديسمبر الجاري قوله : (والآن كلنا كفرنا بالعساكر، أي لا تأتي بعسكري إسلامي يستلم لك الحكم وإنما عن طريق الشعب، ثورة شعبية، استعمل القوة بالشعب وليس بالسلاح، لأنه لا إكراه في الدين، في كل علاقات الدين ووسائله وأساليبه وهكذا، فنحن الآن أصبحنا قريبين جدا من اليسار، الحزب الشيوعي الآن اقرب حزب لنا، وهذا طبيعي لأن فكرهم تطور، عموما، النزع الإسلامي فكره تطور والنزع الشيوعي فكره تطور، التقوا على مبادئ، فكرة اللامركزية وجدناها مطبقة في دولة المدينة، فكرة حكم الشعب فقط لا يحكم طاغية ولا ميراث ولا سلف موجودة في الدين أصلا ولكن قتلوها الخلفاء التلفاء من معاوية ولقدام جعلوها وراثية) وفي كلام الترابي يتضح ما يلي : أن الغاية والهدف لديهم هو السلطة لا شيء غير ذلك وهو تأكيد منه لما هو معروف ، وأنه يبين أنهم قريبين بل (قريبين جداً) من الشيوعيين والحزب الشيوعي هو (الأقرب لهم)!! وأن أفكارهم وأفكار الشيوعيين (تطورت) ، وأنه يريد حكم الشعب !! ولا أدري هل الرجل لا يزال حتى الآن لا يعرف رأي الشعب فيه وفي الشيوعيين الذين تحالف معهم ؟! والله إنه لشيء غريب لدرجة الحيرة !! ومع حكايته ودعواه أن الشيوعيين قد تطوروا إلا أنه يقول عن الخلفاء في عهود الإسلام الزاهرة ويصفهم ب (التلفاء) وينال من معاوية وهو صحابي كريم وأحد كتاب الوحي ، ألا فليعلم من بقي ممن يتبعون الترابي وأتباعه عن أي دين ومبادئ يتحدثون !! ومن العجائب أيضاً أني اطلعت على تعليقات بعض الشيوعيين في بعض المواقع على كلام السنوسي السابق فرأيت براءتهم منه ، وقرأت عبارات سب وشتم وعدم رضاء عن السنوسي ومبرراته ويؤكدون أنهم على مبادئهم ويصفون السنوسي وحزبه بالتلون ، فلا أدري هل هذا التحالف هو على مستوى القيادات فقط حتى الآن وليس هناك تنوير (مشترك) لأتباع الحليف (القريب جداً) منهم في الوقت الراهن .. ؟! فاللهم رحماك بنا وببلادنا والطف بنا يا لطيف.