اعتاد مصطفى أن يدخل منزله بعد منتصف الليل حتى لا يستمع لنقة أم العيال اليومية من المصاريف والغلاء المتفاقم.. فتح باب المنزل بنرفزة وسقط فوق فراشه الذي اعدته له زوجته في الحوش دون تحية.. وضعت أمامه صينية العشاء وعلى وجهه ابتسامة مسكينة.. كان قد أكل مع أصدقائه قبل أن يصل وشرب شاي باللقيمات فتظاهر بأن الفول سيء المذاق ووضع الرغيف وهو عابس.. حملت الصينية وهي تشيعه بنظرات هي مزيج بين الدهشة وخيبة الأمل عندما عادت وجدته يغط في نوم عميق.. جلست على كرسي يجافي عينيها النوم وهي تستمع إلى شخيره في وجع كبير وتسترجع تفاصيل يومها بحسره.. خرج وهي منشغلة في المطبخ دون أن يترك لها مصروف يومي كما فعل طوال الأسبوع الماضي وعندما تحدثت معه صرخ فيها قائلاً: إنها تنوي أن تقصف عمره بالنقة فآثرت الصمت! بحثت في مطبخها الذي يشكو من قلة الفئران عن بصلة تحت الدولاب وقطعة طماطم وكيس دكوة لعمل وجبة تسد رمق الصغار أبناء مدرسة الأساس.. مرت على الفن البلدي وأخذت كيس عيش بالدين.. راقبت أبناءه يأكلون وهي تدمع.. مر عليها شقيقها ودسّ في يدها مبلغ مالي احتضنته في فرحة ووجع.. اخرجت السرير والفراش واشترت فول لعشائه ولم تكن تنوي أن تحدثه بأمر المصروفات ولكن....!