في أول تصريح له بعد أدائه القسم أمس وصف وزير الصحة الوزارة ب«الصعبة» وقبلها في خبر لم يتجاوز بضع كلمات حملت الصحف أمس الأول نبأ تعيين الأمين العام للتحرير والعدالة بحر إدريس أبوقردة وزيرًا للصحة، وكانت إرهاصات عدة سبقت تعيينه منها رفض المؤتمر الوطني لأبي قردة شخصيًا باعتبار ما قام به من تعاون مع المحكمة الدولية بعد مثوله أمامها في اتهامات وُجِّهت إليه في العام 2008م بقيادة هجمات استهدفت قوات الاتحاد الإفريقي في منطقة حسكنيتة أدت إلى مقتل 12 جنديًا وقد رفضت الحكومة الأمر وقتها واعتبرته مؤامرة وتمثيلية أُريد بها إحراج الحكومة التي رفضت التعاون مع المحكمة كما رفضت رفضًا قاطعًا تسليم أي مواطن سوداني لها باعتبار أن السودان ليس عضوًا فيها لدرجة شرع فيها البرلمان لسن قانون يمنع تسليم أي سوداني لجهة خارجية، ولكن أبوقردة برر مثوله ذاك بأنه كان بدافع إيمانه ببراءته خاصة وأن اتهامه بدأ باتهامات لفّقتها له حركة العدل والمساواة بقيادة خليل بعد أن عزله بدايات العام 2008م، وقال أبوقردة وقتها: «لإيماني بمبدأ العدالة وإيماني ببراءتي كان لا بد أن أذهب للمحكمة للدفاع عن نفسي». مسيرة أبوقردة مع التمرد في دارفور وتصريحاته الحادة والعنيفة وانتقاده للحكومة وللقوات المسلحة جعلت أمر تعيينه في حقيبة وزارية أمرًا مستبعدًا لدى الكثيرين ومستغربًًا لدى البعض وفي البال رفض الحكومة تعيين شخصيات كثيرة عُرف عنها عداؤها السافر وإضرارها بمصالح البلاد، لكن كثيرين رأوا أن تعيين أبوقردة أمر طبيعي بعد تغليبه لخيار السلام وضربوا مثلاً بتعين قادة كل الحركات التي وقَّعت اتفاقات سلام مع الحكومة وفي مقدمتهم الحركة الشعبية، وبرروا ما بدر من بحر بأنه أمر طبيعي لأنه كان في حالة عداء مع الحكومة بينما منتقدو التعيين رأوا فيه أمرًا غريبًا لا يحدث في دول أخرى. ولكن حركة التحرير والعدالة نفت أن يكون تأخير إعلان تولي مرشحها حقيبة الصحة مع الإعلان الأول للوزراء بسبب رفض الوطني، وبررت ذلك بعدم مناسبة المنصب لمرشحيها الذين تقدمت بهم باعتبار أن الصحة وزارة ذات تخصص وأن رئيسها د. تجاني سيسي قد أبلغ الحكومة بذلك طبقًا لحديث رئيس قطاعها السياسي تاج الدين نيام في تصريحات سابقة ل«الإنتباهة»، ولكن قياديًا آخر في الحركة أكد وجود خلافات بشأن تعيين أبوقردة حتى داخل الحركة لدرجة بروز رأيين داخلها أحدهما يرى ضرورة تجاوز الأمر وتسمية آخر بينما الرأي الآخر كان يتمسك ببحر باعتبار أن مسألة الجنائية صفحة طوتها الدوحة بجانب أن التراجع عن ترشيح أبوقردة يقلل من مكانة الحركة، ويبدو أن الرأي الأخير قد انتصر بعد أداء الرجل للقسم أمس. وكان قيادي بالحركة فضل حجب اسمه أشار في حديث ل«الإنتباهة» إلى وجود خلاف آخر يتعلق بالوزارة نفسها باعتبارها من الوزارات المملوءة بصراعات الإسلاميين ودلل على ذلك بتهرب كل قيادات المؤتمر الوطني منها وعدم قبولهم بها، وربما صادف حديث القيادي بالحركة بعض الصحة والوجاهة التي تعززه لجهة أن الوطني ظل زاهدًا في هذه الحقيبة التي منحها طوال السنوات الماضية لقيادات من أحزاب أخرى مثل أحمد بلال والفاتح محمد سعيد «وزير دولة» وتابيتا بطرس وعبد الله تية وأخيرًا بحر. البعض رأى أن أبوقردة نفسه من الشخصيات المثيرة للجدل وأن مسيرته في التمرد لم ترَ السكون والثبات فرغم مشاركته في تأسيس حركة العدل والمساواة في العام 2001م وتوليه منصب أمينها العام ثم نائبًا لرئيسها ما بين عامي 2004م 2007م ومشاركته في تأسيس جيشها واستقطاب وتجنيد كثير من أبناء دارفور في صفوف مقاتليها إلا أنه تم عزله بتهمة تدبير محاولة انقلاب ضد رئيسها خليل إبراهيم ليكوِّن بعدها حركة العدل والمساواة القيادة الجماعية التي لم يلبث أن دخل بها في تحالف مع خمس حركات أخرى في جوبا مكونًا الجبهة المتحدة للمقاومة في أبريل 2008م وهو الاندماج الذي قاده أخيرًا للدخول في التحرير والعدالة متوليًا منصب أمينها العام ومن ثم وعبرها إلى وزارة الصحة الاتحادية ولكن قبل كل ذلك فبحر من شباب الإسلاميين الذين جاهدوا في الجنوب وكان نائبًا لأمير إحدى الكتائب وهو المجاهد النائب البرلماني الهادي محمد علي ولذلك ربما يرى المؤتمر الوطني أنه لم يهجر وزارة الصحة وأنها ضمن حصته فتجاوز للرجل ما مضى إبّان التمرد.