بمحاسنه ومساوئه انقضى العام «2011» لتبدأ مسيرة عام جديد دون أن تنفصل عن سابقه، كيف وهو مرآة وامتداد لأحداثه التي سلفت.. ولعله من أكثر الأعوام التي مرت على البلاد وشهد أحداثًا كثيفة وتطورات متلاحقة خارج الحدود كانت لها تأثيراتها على الأوضاع الداخلية وبشكل مباشر.. عام شهد عودة البلاد إلى الحرب مجدداً ولذلك كان من الطبيعي أن تعلق أحداثة بالذاكرة ولا تنفصل عنها.. ومع ذلك كانت هناك محطات فيه أكثر أمناً.. معًا نطالع جرد حساب لأهم أحداث العام على الصعيد السياسي: يناير في التاسع من يناير شهد السودان أعظم حدث في تاريخه بعد الاستقلال ألا وهو استفتاء الجنوب.. ورغم أن الانفصال كان متوقعًا إلا أن نسبة التصويت الساحقة له كانت هي الحدث اللافت في النتيجة التي بلغت «98.83» وحتى الولايات الشمالية ارتفعت نسبة التصويت فيها لتصل «77%» ومن المفارقات التي لا تغادر الأذهان بسهولة إجازة الموازنة العامة التي اشتملت على زيادة في أسعارالمحروقات والسكر وسط تصفيق وتهليل النواب الذين يفترض أنهم أول من يدافع عن المواطن، وفي الأسبوع الثالث من الشهر اعتقلت السلطات الأمنية رئيس المؤتمر الشعبي حسن الترابي بتهمة التخطيط لتنفيذ اغتيالات والإخلال بالأمن العام. فبراير.. الثاني من فبراير تعهدت وزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون في لقائها بنظيرها علي كرتي برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والمساعدة في حل قضية الدين الخارجي إلا أنها كعادتها نكصت عن وعودها لتضع الشروط مجددًا، وأيضًا أن الحكومة قبلت رسميًا نتيجة الاستفتاء وفيه أيضًا أن مناوي يصل لأوغندا من جوبا وأن لندن رفضت منحه حق اللجوء السياسي، وكان مناوي قد خرج مغاضبًا من القصر بحجة تهميشه وأنه بالكاد «مساعد حلة»، تشريعيًا ووسط غضب النواب الجنوبيين البرلمان يجيز إسقاط «58» مادة تتعلق بالجنوب، ويعلن إسقاط عضوية نواب الحركة الشعبية قبل دورة أبريل مما أثار سخط نواب الجنوب ووزراء الحركة إلا أن البرلمان أوفى بنص قراره ولم يتراجع عنه، وفي نهاية الشهر كان مقدم أول فوج سوداني من ليبيا على إثر اندلاع ثورة «17». مارس أما أبرز الأحداث في مارس فكان اتفاق قوى المعارضة للتظاهر في ميدان أبو جنزير وتخلفت قيادات الأحزاب ماعدا سكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد الذي تناول «كرتونة» من الأرض ودون فيها «حضرنا ولم نجدكم»، وكانت عبارته تلك مادة دسمة للصحافة التي أهرقت فيها مدادًا غزيرًا واتخذها غريم المعارضة المؤتمر الوطني ذريعة جديدة للسخرية منها، ولما كان اتفاق نيفاشا يمنع الجنوب من تسليح نفسه خلال الفترة الانتقالية فقد كان توقيف سفينة أمريكية تحمل شحنة أسلحة وصواريخ للجنوب محلاً لانتقادات كثيفة، ولم تكن هذه المرة الأولى فقد سبقتها شحنة الدبابات الروسية التي اختطفها القراصنة في البحر. أبريل وعن أبريل فقد أحدثت واقعة القصف الإسرائيلي لعربة «السوناتا» في بورتسودان التي احترق راكباها الاثنان لدرجة التفحم دويًا كبيرًا في الساحة السياسية والأمنية، خاصة وأنها جاءت بُعيد القصف الصاروخي الذي تعرضت له مجموعة قوارب صيد في بورتسودان.. عندما راجت الأنباء عن دول قد يلجأ إليها القذافي فرارًا من وطيس الثورة ضده أعلن رئيس الجمهورية في حوار ل «الغارديان البيرطانية» أن السودان لن يكون ملاذًا للقذافي.. سياسيًا طغى إعفاء الفريق أول صلاح عبدالله من منصبه كرئيس لمستشارية الأمن ومستشار للرئيس وأمين العاملين والفئات بالوطنى على إثر مواجهات كلامية بينه وبين مساعد الرئيس نافع علي نافع، المشهد السياسي وتبعًا لذلك انقسمت ردود الفعل لقيادات الوطني، فهناك من كان محايدًا مثل مندور المهدي وغازي صلاح الدين وآخرون لم يتورعوا في تدبيج التهم لقوش ومنهم رئيس القطاع السياسي د. قطبي المهدي ونائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد. مايو وشهد مايو إجراء الانتخابات التكميلية بجنوب كردفان وفاز فيها مرشح الوطني أحمد هارون بمنصب الوالي على مرشح الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو الذي لم يقبل النتيجة ليطلق شرارة التمرد من جديد في الأسبوع الأول من يونيو، ولا تزال تداعياته تتفاقم، في «23» مايو اكتسحت القوات المسلحة مدينة أبيي وطردت الجيش الشعبي منها على إثر تعرض الجيش في يوم «20» أثناء انسحابة بمعية آليات الأممالمتحدة من المدينة لكمين من الجيش الشعبي فقد قتل أكثر من «200» جندي، والسودان عبر خارجيته يبلغ الأمين العام للأمم المتحدة رسميًا بإنهاء بعثة يونمس في التاسع من يوليو، لترد الأخيرة بأن القرار يعود لمجلس الأمن وليس السودان، أما الخلاصة فهي استجابة الأممالمتحدة لقرار السودان، في ثناياه يضرب يونيو موعدًا جديدًا للتمرد على يدي عبد العزيز الحلو لتشتعل شرارة الحرب في جنوب كردفان ولا تزال تداعياتها مستمرة لليوم، ومن المترتبات الناشئة عن الانفصال وزارة العمل توجه بتسليم الجنوبيين خطابات نهاية الخدمة، في ظل إصرار الحركة على عدم تجريد مواطنيها من الجنسية السودانية ومنحهم حق الحريات الأربع، اجتماعيًا كانت واقعة موت أكثر من «70» متشردًا عقب تعاطيهم مادة «الإسبرت» غير المطابقة للمواصفات، وقد اهتم البرلمان بالحادثة وشكل لجنة للتحقيق فيها، وفي حال مغاير كان إعلان نتيجة الشهادة بنسبة نجاح «71.3»,ووصول الرئيس البشير للصين في تحدٍ جديد للجنائية الدولية وسط إشاعات بعرقلة طائرته لمنعها من ذلك.. خواتيم الشهر أعلنت عن اتفاق إطاري بين الوطني والحركة بتوقيع نافع علي نافع ومالك عقار، وخطه الأساسي الإبقاء على الشراكة مع الحركة بعد التاسع من يوليو الشيء الذي نقضه الرئيس بعد عودته من الصين، وبذا انفضّ الاتفاق الذي وصفه نافع لاحقًا بأنه لم يكن موفقًا.. كما تم في هذا الشهر إطلاق سراح الترابي بعد اعتقال قارب الأربعة أشهر. يوليو في الثامن من يوليو كان السودان أول دولة تعترف بالجنوب كدولة ذات سيادة وفق حدود الأول من يناير «1956»، كما شارك الرئيس في احتفالات جوبا بدولتها، تلته مصر مباشرة، أما إسرائيل فقد اعترفت بالجنوب بعد ثلاث ساعات من الإعلان الرسمي للدولة.. العلاقة غير السلسة بين البلدين لاسيما في ظل بقاء القضايا العالقة دون حلول جعل كلا الطرفين يحتاط لغدر الآخر، وعندما أفصح الجنوب عن طباعته لعملته جاء الرد على الفور من الرئيس عبر قبة البرلمان بتدشين الجمهورية الثانية وإصدار عملة جديدة، وعلى ندرتها تلوح البشريات محدِّثة عن توقيع اتفاق الدوحة بين التحرير والعدالة والحكومة. أغسطس بدأ نشر القوات الإثيوبية وقوامها «4200» في أبيي وفقًا لبرتوكول أبيي، ومن الأحداث اللافتة حالة الاشتباك التي سادت بين وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي والبرلمان فيما يتعلق بقضية البذور الفاسدة حتى إن البرلمان هدد بحجب الثقة عنه بينما صرح المتعافي بأن الملف سيطيح رؤوسًا كثيرة، في نهاية الشهر زار رئيس وزراء إثيوبيا ملس زناوي السودان بخصوص أزمة جنوب كردفان وبعدها بيومين يزور الرئيس الولاية ويعلن وقف إطلاق النار من طرف واحد لأسبوعين. سبتمبر أتت ردة الفعل من النيل الأزرق متمثلة في تمرد واليها مالك عقار في الأول سبتمبر، وعلى الفور أعلن الرئيس حالة الطوارئ في الولاية وبموجبها عزل مالك عقار، وعين القائد العام للجيش فيها يحيى محمد الخير حاكمًا. أكتوبر وأطل اكتوبر في ثاني أيامه بالكاد نجاة حوالى «50» راكبًا في طائرة «الفوكرز» في هبوط اضطراري بمطار الخرطوم لتعيد ذكرى قائمة إخفاقات الناقل الوطني في شراكته مع شركة عارف والتي انفضّت لاحقًا لتعود سودانير لوزارة النقل، وفي بادرة أوحت بانفراج العلاقات بين البلدين كانت زيارة رئيس الجنوب سلفا كير ميارديت للخرطوم لاسيما بعد التصريحات الإيجابية لكليهما، ولكن تعثر مفاوضات القضايا العالقة وشكوى السودان للجنوب في مجلس الأمن كذبت تلك الأماني. نوفمبر الأسبوع الثاني من نوفمبر كشف عن تحالف حركات دارفور فصيلي التحرير مني أركو وعبد الواحد نور وخليل إبراهيم رئيس العدل مع الحركة قطاع الشمال باسم «تحالف الجبهة الثورية» بغرض إسقاط النظام، ودعا الأحزاب السياسية للانضمام إليه، إلا أن دعوة التحالف قوبلت بالرفض من أكثرية القوى السياسية، تلا ذلك وصول رئيس العدالة والتحرير التجاني السيسي إلى البلاد، في خواتيم الشهر صرح الرئيس في كسلا بصحبة الرئيسين القطري والإريتري بدعم السودان لثوار ليبيا.. عسكريًا كان تحرير الكرمك في الأسبوع الأول من نوفمبر، آخر أيام الشهر حملت نبأ تعيين نجلي الميرغني والمهدي مساعدين للرئيس في القصر وتسبب الأخير في حدوث بلبلة كبيرة في صفوف حزب الأمة.. كما لا يمكن إغفال اعتصام المناصير بنهر النيل. ديسمبر أما ديسمبر فقد استحق بجدارة لقب الشهر العاصف، ففي طياته كان صدور مذكرة توقيف جديدة من مدّعي المحكمة الجنائية في حق وزير الدفاع.. ومشاركة الاتحادي الأصل في الحكومة وسط تباين واضح لقيادات وعضوية الحزب في الخرطوموالولايات، وعلى غير المتوقع أفلح البرلمان في رفض بند زيادة البنزين المدرج في الموازنة، رغم إصرار وزير المالية، وإن كان بعد أخذ الضوء الأخضر من القصر، وفي السابع منه تم الإعلان عن تشكيل الحكومة العريضة، وفي أسبوعه الأخير قضى رئيس العدل والمساواة د. إبراهيم خليل نحبه قتيلاً إثر المعارك التي خاضتها حركتُه في محلية ود بندة بشمال كردفان، ومثلما اختلف الناس حوله وحركته في حياته تضاربت الروايات عن موته، فالجيش يقول قتله في اشتباك مباشر معه بطيران سوداني، بينما تنفي قيادات حركته وتشير إلى أن مقتله تم بواسطة دول أجنبية لم تسمِّها، بخيره وشره غادرنا العام «2011م». لنرسو على مرافئ «2012»..