تقدَّم نحوي بخطى متثاقلة تحكي رحلة المرض الذي عاناه منذ سنين.. أحلامه وطموحاته لا تتعدى محيط بيته وهذا مصدر سعادته رغم مرض الفشل الكلوي المزمن الذي يعانيه متكئاً على كتف ابنه الذي أحضره للمعاينة قلت له بعد فحصه: (الكلى توقفت وتحتاج لعملية «زرع» ويمكن لابنك أن يتبرّع لك بالكلية، نظر إليّ والدهشة تعلو وجهه وقال لي: إنت مش دكتور بتاع كلى قلت: نعم، فرّد علي «صلِّح الموجود») كان ذلك في مدينة بور تسودان الأسبوع الأخير من العام الذي انتهى لتوّه في إطار أيام ثلاثة قضيتها في تقديم معاينات وعمليات مجانية لأهلنا في الشرق هي الزيارة الثالثة في إطار أنشطة منظمة د. كمال أبو سن الخيرية. ألهمتني زياراتي السابقة للكتابة عن مدينة بور تسودان بعنوان بور تسودان وشعب المرجان وتأتي هذه الزيارة وتصرّ هذه المدينة الساحرة على أن تكون مصدر إلهام لمزيد من الكتابة خاصة وقد ارتبط اسم بور تسودان بأعياد رأس السنة. ساهم الزميل والصديق د. عمر حموري في التحضير للرحلة وكانت طائرة نوفا بقدر عظمة المدينة في خدماتها ودقة ميعادها ترجلت من الطائرة إلى مطار فسيح أنيق نظيف.. تزيده ألقاً اللوحات الإرشادية وهي سمة حضارية. تركتُ المدينة في آخر رحلاتي لها عروساً في «بيت الحبس».. عدت والعود أحمد خرجت بكامل حلتها وزينتها الشوارع الفسيحة كلها مرصفة بالأسفلت تزين جنباتها أحجار الإنترلوك وأشجار الظل والزينة تضيئها مصابيح في غاية التوهج، مستوى النظافة يبهرك ساعد على الحفاظ عليها، قرار حضاري بمنع تداول أكياس البلاستيك في الولاية. شرفات البحر تحولت إلى حدائق ومسارح وأندية ومطاعم للمأكولات البحرية في غاية الأناقة والنظافة والجمال، دعاني شاب أقدم من ألمانيا بأفكار نيّرة اسمه محمد أقام شرفات ممتدة داخل مياه البحر زينها بقناديل كهربائية بكل الألوان وزخرفها بأعمدة خشبية سماها ميوركا الشرق مستوحاة من ميوركا الغرب في الجزر الأسبانية قبلة للسائح ورئة تنفس حضاري لأهل المدينة، دعانا الأخ حسن حمادة رئيس جمعية مرضى الكلى بالمدينة إلى عشاء بالنادي العالمي جلست مع إخوة أفاضل تساءلت عن سر النقلة النوعية والقفزة العالية لمدينة بورتسودان باتجاه المدن الحضارية والعالمية أجمع الجميع على أن وراء هذا العمل الدؤوب والضخم ابن المنطقة الدكتور محمد طاهر إيلا والي ولايتها، تساءلت بفضول: ولكن إيلا شخص واحد وهذا عمل يحتاج إلى جيش من المسؤولين قالوا الرجل لا ينام يخطط ويبرمج ويتابع حتى آخر الليل سيراً على الأقدام وأكدوا ذلك باستدعائه لأحد الإداريين للقائه بجوار «كوم للقمامة» آخر الليل؛ لأنه تأخر في إزالته قلت لهم وما هي وسيلة الردع التي يستعملها قالوا الرجل ليس دكتاتورياً يتجاوز من يقصر ويوكل المهمة إلى نائبه ويُفهم الآخر والآخرين الدرس.. تحلق حولي أهل البلد أحاطوني كرماً وترحاباً بادر مسؤولوها بتقديرهم لخدمة مرضى الكلى زارني اللواء حيدر أحمد سليمان مدير الشرطة وكنت بغرفة العمليات ،رددت له الزيارة في مكتبه الأنيق ترجلنا سوياً لزيارة مستشفى الشرطة، والحق يقال وجدته جيداً ونظيفاً ويقدم خدمات راقية لأهل الولاية زرنا مولانا التهامي رئيس جهاز القضاء بادر بكرم وعلم ودراية أن يسخر إمكاناته للمساعدة في تسهيل مهمة علاج مرضى الكلى.