وتمضي بنا الأيام والشهور ونحن نجترّ ذكريات الشهداء وسيرتهم الطيبة، وبالأمس كنا قد ودَّعنا بطلاً يافعًا غضّ الإهاب لكنه قوي الشكيمة رفض أن يعيش في صخب الحياة ومجونها فاختار الشهادة، قبل ذلك وفي ساحة النضال بأبيي لقي الملازم محمد حسب الرسول هاشمي الجعفري ربه شهيدًا مدافعًا عن حياض الوطن.. إنها أيادي الغدر والخيانة ومن تلطّخوا بالدماء واكتست قلوبُهم بالحقد وأرادوا زعزعة استقرار هذا الوطن الأبي.. وانتقل الصراع إلى هناك بالنيل الأزرق.. وتأبى مشيئة الله إلا أن يتكرر ذات السيناريو من قِبل فلول العمالة والارتزاق أو ما يسمّى بالجيش الشعبي وهي تروِّع الآمنين وتروِّع النساء والأطفال وتهلك الحرث والنسل وتسعى في الأرض فسادًا وإفساداً، لكن أمانيهم تبدَّدت فلم يجنوا غير الهزائم والخسائر المتلاحقة من قِبل قواتنا المسلحة الباسلة وهي تلقِّنهم الدروس والعِبر والعظات لو كانوا يتّعظون في كل معركة حتى تشتتوا وتاهوا في غياهب التلال والغابات والوديان، ولم يكن أمام هؤلاء الأعداء غير استخدام سلاح الجبناء لأنهم باتوا يخشون المواجهة فزرعوا الألغام، ولكن رفاق الشهيد علي عبد الفتاح في كل يوم يقدِّمون الدروس والتضحيات، ولعلها إرادة الله أن يلبّي شهيد الوطن الملازم مهند فيصل علي التوم نداء ربه شهيدًا بالقرب من الدمازين في أمسية الخميس 29 /12 لاحقًا ابن منطقته ودفعته في الكلية الحربية والتي حملت الرقم «54» (محمد حسب الرسول) وكأنَّ هذه الدفعة تريد أن تتشرف بشهادة هذين الشبلين!!. وبثبات ويقين واحتساب تلقّى الأخ فيصل والد الشهيد العزاء في فلذة كبده من جموع المعزّين تقدمهم البشير أبو كساوي معتمد محلية جبل أولياء، وقيادات المحلية وممثلو القوات المسلحة وزملاء الشهيد والمهندس محمد سليمان جودابي وزير التخطيط بولاية النيل الأزرق، وتبارى المتحدثون في تعداد مناقب الشهيد الذي وُلد في العام 1985 بقرية قدو بمحلية شندي وبدأ مراحله الدراسية بها ثم انتقل مع أسرته إلى الخرطوم ومنها إلى الكلية الحربية.. وقد كان الشهيد عصاميًا في حياته محبًا للخيرمتعاونًا مع أسرته ومجتمعه بالدخينات. صعبٌ علينا أن يباعد بيننا هذا التراب فلا نراك طويلا يا من ضربت لنا المثال مضحيًا وأريتنا صور الجهاد الأولى فحييت في ظل العقيدة ثابتًا وأبيت الا أن تموت أصيلا يا مؤمنًا كانت حياتك قدوة ستظل روحك في الطريق دليلا نم يا مهند.. إنك خالد ما كان ذكرك يا أخي ليزولا نم يا شهيد الحق مسرورًَا فقد كان المنام عليك قبل ثقيلا يا من ضحّيت بالدنيا وما فيها حتى يكون تراب وطنك دنياك، يا من عشقت وطنك فبادلك وطنك بنفس شعور الحب والعشق، فأنت العاشق المضحِّي وهو المعشوق والرائع الذي لا ينسى عشاقه ولا يستغني عنهم وهو حيّ لأنه يخطّ بدمه الطاهر كلمة الحرية والعزّ والإباء لبني وطنه حيث البقاء السرمدي ونور الحقيقة الأبدي.. فمهند حيّ بما سطّره في قلوب الأعداء من رعب وهلع وخوف واضطراب.. وهو حيّ بما يكسبه الإسلام من ورائه من شموخ وعظمة وعلوّ ومنعة وهيبة وسلطان وقدرة.. وهو حيّ بآثاره التي خلّفتها ملحمتُه في نفوس الآخرين من إيقاظ من سبات الغفلة وإنهاء لحالة التململ والتذمّر والرضوخ للظلم والاستعباد.. ألا تقبّل الله الفقيد مهند وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء!!