ظلت العلاقات الأمريكيةبجنوب السودان في تطور وتقارب وتفاهم أملته المصالح العليا لواشنطن في المنطقة، وارتقت بطريقة نوعية على مدى أيام الحرب مع الجنوب منذ أن احتضنت أمريكا زعيم التمرد قرنق باكراً ورعته أيام فترة دراسته بجامعة أيوا!! فأي دعم ومساعدة وإمداد للجنوب فهو بالفهم الأمريكي دعم للسلام في السودان بالأمس، واليوم هو دعم للسلام العالمي، وأمريكا ظلت تخادعنا بأنها الراعي للسلام في السودان، والكل يذكر رسلها ومبعوثيها الكثر الذين أوردوا بلادنا مهالك اتفاقية السلام «الشامل» التي ما أن انتهت بفصل الجنوب إلا وبدأت الالتفافات على ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، على نحو ما شهدنا من غدر ومن قبلهما دارفور!! وقد كانت أمريكا على عهد رئيسها السابق بوش تقول إنها على استعداد لرفع العقوبات الاقتصادية والعسكرية وغيرها بصفة أحادية عن جنوب السودان حتى يوم أن كان الجنوب جزءاً من السودان الواحد، فصداقتها ومحاباتها للجنوب معلنة لا التباس فيها إلا على من تخدعهم المناورات الأمريكية بالتفاوض مع حكومة السودان، ذلك الحوار الممتد لسنوات بأهداف وتكتيكات أمريكية تصيب غاياتها بدقة دون أن يحقق السودان أي نوع من التقارب أو التفهم إلا الوعود الجوفاء التي ظلت تقطعها واشنطن في كل جولة مع مبعوثيها!! وقد أعلن قبل أيام أن دولة جنوب السودان رحبت برفع الرئيس الأميركي باراك أوباما القيود على مبيعات المعدات الدفاعية لجنوب السودان في خطوة أخرى لتطبيع العلاقات الأميركية مع أحدث دولة إفريقية، مؤكدة حق الدولة الجديدة في امتلاك السلاح لمواجهة ما سمته بخطر النظام السوداني عليها «يا للطرفة والعجب معاً أن تضحى الدولة التي منحت الجنوب استقلالها مصدر خطر !!». وعلى الفور سارع زعيم الأغلبية في برلمان الجنوب القيادي في الحركة الشعبية أتيم قرنق، بقوله إن الحكومة يمكن أن تدرس مقترحات بشأن إنشاء قواعد أميركية إذا طلبت واشنطن ذلك أسوة بالقواعد الموجودة في دول الخليج العربي «والشاهد أن أمريكا لا تستأذن الجنوب في مثل هذه القواعد إن كان حال الخليج قد مكنها من إقامتها، فما بال الجنوب وقيادته التي كلها من صنع أمريكا!!». ويضيف قرنق ل «الشرق الأوسط» أن قرار الإدارة الأميركية يعتبر «قانونياً» باعتبار أن جنوب السودان كان يخضع للمقاطعة لأنه كان جزءاً من الدولة السودانية قبل الاستقلال في يوليو الماضي. و «الآن من حقنا أن ترفع عنا العقوبات الاقتصادية أو الدفاعية بما فيها حق شراء الأسلحة من الولاياتالمتحدة وامتلاك أحدث التقنيات منها»، مشيرا إلى أن أوباما يسعى من خلال الكونغرس لرفع اسم دولة الجنوب من جميع العقوبات المفروضة على السودان لأن الدولة الجديدة استقلت بشكل كامل ولا تربطها علاقات مع دولة الشمال سوى الحدود السياسية!! ويضيف: «نحن نريد رفع الحظر عن السلاح.. وأن تشاركنا الولاياتالمتحدة في الاستثمار واستخراج النفط والتعامل التجاري والثقافي والتقني والسياسي والدبلوماسي». لكنه استدرك قائلاً «حديثي لا يعني أننا سنوافق فوراً، إذ لا بد من إخضاع مثل هذا الطلب لدراسة شاملة تضع في الاعتبار ماذا سنستفيد من نشر القاعدة في بلادنا وأثر ذلك على جيراننا، وإجراء نقاش مع دول الجوار، إلى جانب الدراسات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية»!! وبالرغم من أن هذا الإجراء حتى الآن يعتبر شكلياً وتقليدياً بحسبان أن البنتاغون لا يسمح بتصدير السلاح الأمريكي إلى أي بلد من الناحية «النظرية» حتى يتأكد من عدم وصول ذلك السلاح الى أيدي مليشيات ومجموعات إرهابية حسب التصنيف الأمريكي، لذلك تم ربط عملية تصدير السلاح بأمن الولاياتالأمريكية، ولكن الواقع يكذب هذا الادعاء الأمريكى كعادتهم!! والكل يعلم حالة الفلتان الأمني وانشار السلاح في الجنوب فى أيدي المليشيات الداخلية المعارضة للحركة الشعبية، وما تعيشه القبائل هناك من اضطرابات وتناحر، إلى جانب ترامي الحدود وانفتاحها على تجارة السلاح، وما أحدثته من فوضى وخلافه، وما تقوم به الدولة الوليدة من رعاية جهرية للمجموعات السودانية المتمردة لكل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وما توفره لهم من ملاذ وإعلام وحماية كي يدشنوا الحرب الأمريكيةالجديدة بتحالفهم الذي أقاموه من الجنوب!! فقادة الجنوب من المتأمركين وعلى رأسهم أمثال أتيم قرنق ممن رفعه عرش السلام وإكرامياته إبان وجوده بالبرلمان بالخرطوم، يقولون إن دولتهم تسعى للتحوط من خطر النظام السوداني في الشمال بامتلاك أسلحة حديثة تصد الهجوم الذي تكرر على الحدود، نافياً ما هو واضح كالشمس في كبد السماء، وما يناقض حديثه: «لسنا أصحاب دعوة للاعتداء على الشمال لأن علاقاتنا مع شعبه جيدة للغاية»، وكأنه لا يرى ما فعله الحلو وعقار على حدودنا التي رسمها الانفصال بدعم ومباركة دولته.. فهو يهرف بقوله «إن نظام البشير أصبح خطراً يهدد دولتنا وعلينا التحوط». وحسب قرنق فإن البشير هدد في خطبه الأخيرة أكثر من مرة بأنه يمكن أن يغزو الجنوب ويصل إلى جوبا، وأضاف «لقد نفذ ذلك بقصف جوي مكثف في غرب بحر الغزال وأعالي النيل والوحدة وقتل العديد من المواطنين الأبرياء.. وعلينا أن نواجه ذلك في المستقبل لحماية سيادتنا الوطنية وشعبنا»، مشيراً إلى أن دولة الجنوب تحتاج إلى طائرات هليكوبتر وطائرات حديثة لنقل الجنود بسرعة. وقال «لدينا حدود مشتركة مع ست دول، ونحتاج إلى سرعة التحرك لجنودنا والشرطة لتلك الحدود»، معتبراً أن «توفير الأمن يساعد في تحقيق التنمية»!! هكذا تقرأ عقلية هؤلاء الساسة بالجنوب كونها ممعنة في العداء ونشر الحرب والكراهية وتنفيذ مخططات الأمريكان!! الإدارة الأمريكية معنية بسباق التسلح في المنطقة أكثر من اهتمامها بالإعمار والبناء ودعم فرص السلام والاستقرار في السودان، لذلك سارعت بإعلان رغبتها في رفع قدرات الجنوب العسكرية بما يخدم مصالحها واستراتيجيتها في الإقليم بغية المزيد من التمزيق والتفتيت!! فالذي يتصور أن أمريكا تستهدف جيش الرب أو بقايا القاعدة من هذه السياسة يكون قد أخطأ التقدير، لأن السودان على رأس أجندتها في العداء والاستهداف بشواهد حملات الهيمنة التي لم تتوقف ولن تتوقف عند الجنائية واعتزال التعاطي المباشر مع رئيس البلاد بهذه الحجة الواهية!! فأمريكا التي يئست من تأثير الحركة الشعبية في تغيير الواقع الداخلي بالسودان بالانفصال في ما عرف لديهم «بالسودان الجديد»، وهي محبطة من نتائج فعلتها في جنوب كردفان والنيل الأزرق وإسقاطاتها على الحركة الشعبية والجيش الشعبى، ستظل تدعم الجنوب عسكرياً وتقيم القواعد على أراضيه بمشاركة إسرائيل التي لم تعد قيادة الجنوب تتحرج في الإفصاح عن علاقتها بها كما تفعل فى السابق!! وعلينا أن نواجه هذه التوجهات الأمريكية التي تقابلها رغبة جنوبية، أن نواجهها بصرامة وبأدوات مماثلة بكل ما تستحقه من الأفعال لا الأقوال!! وشعبنا يرى توجهات مرسومة ومسنودة من برلمان الجنوب لإغراء كل وجهة حانقة تمكن اليهود والصهاينة وحلفاءهم الأمريكان وأربابهم داخل الجنوب من الوجود بالمنطقة، ومن ثم بسط سياسات الهيمنة والاستعمار الجديد، فهنيئاً لقادة الجنوب بهذا الزواج الكاثوليكى عسكرياً، كي تبقى الحركة الشعبية لاعباً رئيساً في حرب أمريكا المقبلة، وهنيئاً لها الاستقواء بقوة أثبتت شواهد التاريخ وعبره أنها لن تصمد، وهي شريك غير نزيه، وهذا ما كان عليه الحال في الصومال وأفغانستان والعراق، فليدعموهم بما شاءوا وليغدقوا عليهم المال والسلاح، «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يغلبون». صدق الله العظيم!!