الرعب يهزم ثبات القلوب وسلسلة الأحداث المؤسفة تتلاحق وليس أمام المراقب سوى النظر بحسرة إلى هذه التقلبات التي لازمت حياة الناس في الفترة الأخيرة.. من غزو فتق جُرحاً قديماً لحادثة مشابهة في السبعينات كاد أن يندمل ونتحسر لتكرار مثل هذه الأحداث في تاريخ السودان الحديث وكأنه أخذ شهادة عالمية في تكرار الغزوات من خارج السودان رغم اختلاف الحكومات والأنظمة القائمة وتوجهاتها وربما الوجوه ولكن الفعل واحد لماذا لا تستخرج الحكومات القائمة هذه العظات عبراً تغلها سيوفاً لبتر هذه الأيدي التي تمتد لتغرز في جسد هذه الأمة أسنة سامة لقتل أبناء وطنهم ولماذا لا تتيقظ الحكومات من مثل هذه الألاعيب الشيطانية التي يمارسها بعض أبناء الوطن المتفلتين من ذوي الإعاقة الذهنية لأن هذا الفعل يعاد تسويقه مراراً ونسأل هل استباحة عواصم دول ذات سيادة تتم بهذه السهولة؟! ونحن لنا قامة تاريخية ومشاهد بطولية وعلى الدوام نبذل مجهوداً خارقاً لبث أغاني المديح لهذا الوطن القامة.. عبر وسائطنا الإعلامية نبث أغنياتنا الوطنية تمجيداً لماضٍ عريق وتاريخ سامق مجيد «نحن ونحن الشرف الباذخ دابي الكر شباب النيل». كما تغنى بها فناننا فارع الطول خليل فرح وكتب الشاعر المبدع عبد المنعم عبد الحي لقامتنا الغنائية أحمد المصطفى «نحن في السودان نهوى أوطانا» طوّف بنا وبهوى السودان لأجزاء عزيزة منه وبث لواعج حبه عبر هذه الأنشودة الوطنية العذبة وكثيرون كثيرون تغنوا بحب هذا الوطن في تاريخه الحديث تذكيراً بماضٍ تليد يجب المحافظة على إشراقاته وكما لم يبتعد الشعر الشعبي عن هذا الجو المفعم بالوطنية والتغني بالأمجاد عبر القبيلة. نحن أولاد جعل نُبهًا عزاز ورتوت ونحن الفي المجالس لينا أكبر صوت نحن نبانا ساري فينا الفوت السخا والكرم والرجلة يوم اليوم هكذا تغنى شاعرنا الشعبي بمنطقة الجعليين لماذا؟! لا نعطي «العين الحمراء» لكل من تسول له نفسه بإهانة تراب هذا الوطن الذي ورثناه أباً عن جد. وقد أسالوا دماءً غزيرة عزيزة ليرتوي هذا التراب بهذه الدماء الزكية هذا إرث تاريخي دموي لماذا لا تنتقل إلينا العدوى لبذل الدماء عند النداء لكي لا تتسع دائرة الجُرح واجتماع شمل جماعة السفهاء والمتفلتين حتى لا يتجاوز كل قزم حده ولماذا نتعارك في أتفه الأسباب «معارضة وحكومة» ونترك الوطن نهباً للمرتزقة ومصاصي الدماء ينهشون لحمه ونحن أبناؤه نتعارك في اللامجدي والعالم بظالمه ومظلومه يتلذذ لبلاهتنا.. إننا أمة لها تاريخ ناصع كتبه لنا الأجداد بأحرف من نور هل يحق لنا تضييعه بهذا التعارك الفارغ والاتفاقيات الفضفاضة التي تسعى لتقسيم الوطن بدوافع جهوية حتى إذاعات العالم وقنواته الفضائية تحشر أنوفها في تفاصيل قضايانا الداخلية وتنهش في لحم هذا البلد الذي تربينا على ترابه الطاهر وكأن هذه الدول بلا عرقيات أو عنصريات وكأننا لسنا أسياد بلد وأصحاب حقوق لو كنا لقناهم درساً واحداً قوياً في الوطنية لكانت أغانينا الوطنية تترجم بحق وصدق مواقفنا تجاه الوطن ولصمتت هذه الغربان عن النعيق إذاً الضعف ينبع من دواخلنا نحن وكأن تلكم الأغاني التي نرددها بطرب وتنطلق من شفاه المغنين هي فقاعات لا تحرك فينا قيد أنملة وكأنها تردد لشعب غيرنا يقول المغني الشعبي أحمدون شاعر دنقلا: نحن الفي القبايل ما بقولو شويه قبيل رأس القعب شارنو بالمالية عز الشوكة نحن «أم متو» عباسية منو محيس رباط جعل والشايقية نحن أولاد آب مرخه في الآدمية مفهومين ولاد هاشم في الذرية هنا في هذه المقاطع تصلنا أنفاس أحمدون حارة تنبعث بقوة لتأكيد أصالته وجذوره الممتدة عبر هذه الأفرع الشهيرة من قبائل السودان العربية التي امتزجت بتراب السودان الإفريقي. نحن في السودان لا يلتئم شملنا ولا تشيلنا «الهاشمية» إلا حين نورد الوطن مورد الهلاك وبعد وقوع الفأس على الرأس حينها فقط نولول فتنبثق اللجان وتتراص الصفوف وتخرج مسيرات التنديد ويصيح الإعلام بكل وسائله في الحادثة الثانية حادثة الطائرة تلقينا الضربة الموجعة في فترة وجيزة من الحادثة الأولى حادثة الغزو المشؤومة لم نكن أحسن حالاً في الاستعداد في هذه من تلك بلى أرسلت الطائرة إلى مطار بورتسودان إلى حين استتباب الأوضاع الجوية وحين رجعت قافلة لمطار الخرطوم انطلقت هابطة خارج شريط المدرج الأسفلتي فكانت الكارثة هنا يتبادر إلى الذهن أين تأمين المطار وأين الاستعداد من رجال الإطفاء وكافة معينات تأمين المطار والطائرات كما في مطارات الدينا كافة يشرعون في تأمين طائرة يعني أن هناك تحسباً لأي طارئ ويكون الاستعداد من كافة أقسام التأمين في الميناء الجوي هذا لم يحدث وهكذا نحن نُعرف باللامبالاة حتى يقع الفأس على الرأس وهكذا في كثيرٍ من مرافقنا الحيوية التي ترتبط بحياة الناس مثل الكهرباء المياه مشروعات التنمية تتثاقل الخطى في الاستعداد المناسب في اللحظة المرجوة لحماية هذه المرافق من التوقف عن النبض وبذل المعينات اللازمة لاستمرارية خدماتها لأنها مرتبطة بحياة المواطنين ارتباطاً كلياً والتفت إلى صفحات الصحف اليومية في وسط هذا الكم الهائل في الصحف تُنشر عشرات المقالات والملاحظات والنصائح كلها تصب في قضايا الوطن ليس هناك ما يدعو للتفاؤل وكأن كل مسؤول وكل موظف كبير يتجاهل هذه النداءات الإصلاحية اليومية بل يتملص عن طرق باب الإصلاحات المطلوبة وإلا لحركت فيهم هذه النداءات حمية وطنية وأحيت في دواخلهم همة العمل والإصلاح.