بلغ بي الحزن مداه وأنا أبحث عن علم السودان ولا أجده محمولاً على أيدي الشباب والكبار في الشوارع والساحات إحتفالاً بذكرى الإستقلال، فقد إحتفلت معظم الأسر السودانية بليلة رأس السنة الميلادية بتقليعات جديدة ومختلفة ولكن لا أحد يحتفل بالإستقلال، فقد وضح جلياً ضعف التربية الوطنية عندنا في الآونة الأخيرة ونحن أحفاد المهدي والمك نمر ومهيرة والأزهري وغيرهم من الأبطال الذين سطروا بدمائهم أنبل وأروع معاني الوطنية للمحافظة على تراب هذا الوطن الغالي، وحقيقة نحن بحاجة إلى دراسة سريعة حتى ننمي ونزرع قيم الوطنية في نفوس أبنائنا في كل المجالات ونبدأها بوزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية والخاصة التي كرست لهذا المفهوم الخاطئ من خلال تنظيم عدد منها لاحتفالات الإستقلال عبر الغناء العاطفي، ولا ندري هل غُيبت الأغنية الوطنية عن قصد أم أنه عدم وعي وإدراك بأهميتها ودورها في إثراء وحفز همم الشعوب ومبلغ تأثيرها فيهم، خاصة في النشئ ليتربى عليها، ولا يخفى على أحد بالطبع ضعف وقلة الأعمال الوطنية المطروحة في الساحة والأجهزة الإعلامية، فنحن مثلاً منذ أن وعينا على هذه الدنيا ظللنا نستمع في كل عيد وذكرى للإستقلال لأغنية الفنان محمد وردي (اليوم نرفع راية إستقلالنا ويسطر التاريخ مولد شعبنا) فحفظناها وتربينا عليها، نعم هناك أغان وطنية غيرها ولكنها كانت الأعلى كعباً وتبثها الأجهزة الإعلامية على مدار اليوم كاملاً، ولكن المصيبة تكمن في أنها ظلت الأعلى كعباً حتى الآن رغم مرور أكثر من خمسين عاماً عليها ومازالت مسيطرة على ذكرى الإستقلال، فهل إنعدم الحس الوطني عند الشعراء والمطربين إلى هذه الدرجة..؟ وأصبح الغناء للوطن غير مرغوب فيه الآن رغم أن البلاد أحوج ما تكون اليه في الفترة الحالية حتى يوحد كل أبناء السودان خلفهُ ولماذا لا يبث الغناء الوطني إلا في المناسبات الرسمية أو مع ذكرى الاستقلال فقط.. ولماذا لا تفتح الأجهزة الإعلامية أبوابها للشعراء والفنانين لتسجيل الأعمال الوطنية حتى نخرج بذخيرة كبيرة منها تساهم في تشكيل وضخ روح ودماء الوطنية في أبنائنا، ولكن للأسف الشديد علمت من بعض المطربين بأن تلفزيون الدولة والناطق باسمها أغلق أبوابه لأكثر من عشرة سنوات في وجه الأغنية الوطنية ولم يفتح الله على القائمين بأمره بأهميتها ودورها في المجتمع وأنصب كل تركيزهم على الغناء العاطفي .. وحقيقة أندهشت كثيراً وتأسفت للإستماع للغناء العاطفي في معظم الإحتفالات الرسمية التي خُصصت للإستقلال وغابت عنه الأغنية الوطنية أساس الإحتفالات وغاب أو غُيب عنها ملك الغناء الوطني الأمبراطور محمد وردي الذي لا نعلم سر تجنبه هذه الإحتفالية من قبل مؤسسات الدولة.. وبتنا نخاف أن يأتي يوم لا يعرف فيه أبناؤنا شيئاً عن الإستقلال وأبطاله ولا نستبعد أن لا يحفظ عدد منهم نشيدنا الوطني.. فهل من مخرج ؟ حاجة أخيرة: استمعت للفنان سيف الجامعة يردد أغنية محمد وردي (اليوم نرفع راية إستقلالنا) عدة مرات حتى أعتقدت بأن وردي تنازل له عنها والحقيقة غير ذلك، فكيف ينتهك نائب الأمين العام لإتحاد المهن الموسيقية الحقوق ويبيح لنفسه غناء الغير بهذه الجرأة وقوة العين التي يحسد عليها، فهل يزجر الفنانين الشباب في الصحف لمثل هذا الفعل ويأتي بمثله، فهل ينطبق حال قيادات الإتحاد على المثل (باب النجار مخلع).