قلنا ذات مرة، قبل سنين عديدة، أيام كنا نقول الشعر: يا عبد الله المسحوق.. لا تَسْتَفْتِ على أكل الميتة أحداً فالمُفتون جميعاً باعوك، ودقوا رايتهم في السوق!! واتفق اللصان، فضاع المسروق!!! أما اليوم، وقد عادت للسوق دولة ورايات، فنسوق، بدلاً من الشعر، هذه الحكاية: «عبد الله جربوكس» كان هو «اللص» الوحيد، والحَصريّ، لقرية «عَجَل حديد»، تلك القرية الوادعة، التي يحكمها العمدة «حاج الأمين» بمعونة خمسة خفراء مسلحين بأحدث أنواع «العكاكيز»، ويتولّى هموم الوزارة فيها شيخ البلد فكي أبكر- بجانب وظيفته كإمام لمسجدها الوحيد، ومأذون للقرية... ولو أن الأمور كانت قد سارت على هذا النحو، لما احتجنا إلى كتابة هذه الكلمة، ولكن الأمور لم تسر على ما يرام.. استجدت أحداث عاصفة بقرية «عَجَل حديد»، كان أخطرها ظهور «لص» منافس لعبد الله جربوكس، اسمه «كتينة»، شكل ظهوره المفاجئ صدمة وتحدياً صارخاً لجربوكس في عقر داره، فأقسم على تأديبه وجعله أضحوكة «للحرامية». المعركة بين اللصين اتخذت شكلاً حضارياً.. كل منهما تمكن من بث «عميل مزدوج» أوأكثر، بين مساعدي اللص الآخر، حتى يزوده بأسرار غريمه، وخططه ومشروعاته، ومن ثم محاولة الإيقاع به.. ويبدو أن مخططات زرع العملاء نجحت لدى اللصين، يؤكد ذلك ما جرى بعد ذلك للعمدة.. العمدة، حاج الأمين، الذي كان يعاني إلى حد الإحباط من شكوى المواطنين المتكررة من السرقات الليلية، سرقات أمتعة ومحاصيل وأغنام وأموال وغيرها، فيقف حائراً بإزائها دون أن يملك شيئاً سوى تكليف «شيخ الحلة» فكي أبكر تكليفاً رسمياً بدعاء الله سبحانه وتعالى، عقب الصلوات، بأن: «يكفينا شر طوارق الليل والنهار، وشر الحرامية» وكان «فكي أبكر» يبذل جهداً مقدراً في إنجاز التكليف المسند إليه من حضرة العمدة حاج الأمين هذا، أصبح، فجأة، يتلقى هواتف ليلية، عبر تلفونه الحكومي، بعد صلاة العشاء مباشرة.. يقول فيها محدثه من الطرف الآخر «والذي يعرّف نفسه، دائماً، بأنه «فاعل خير»«أن هنالك «حرامية» يخططون لكسر دكان «حاج الطاهر» هذه الليلة عند الثانية صباحاً.. أوأن هنالك لصاً ينوي التسلل هذه الليلة إلى «زريبة» الحاجة سكينة، وسرقة عنزتها الوحيدة، أوأن مخازن «حاج النعيم سر التجار سوف تتعرض للسطو في الثالثة صباحاً..!! حاج الأمين تجاهل المكالمة الأُولى، التي حدثته عن احتمال كسر دكان حاج الطاهر، لأنه تصور أن محدِّثه عبر الهاتف مجرد «مطموس» من مطاميس القرية يريد السخرية منه، ولكنه فوجئ بحاج الطاهر صباح اليوم التالي، يبكي ويشكو كيف أن الحرامية كسروا دكانه ولم يتركوا له «التكتح»..!!.. بعدها لم يتجاهل حاج الأمين أية إخبارية تالية، من تلك الإخباريات الهاتفية، التي حدثه قلبه أنها صادرة عن «بوليس سري» ربما تكون «الحكومة» قد أرسلته لمساعدته، بعد تكاثر أخبار السرقات في قرية «عَجَل حديد»!!.. ظل حاج الأمين بعدها، كلما أخبره الهاتف بخبر سرقة محتملة، بعث بخفرائه مدججين بعكاكيزهم إلى الموقع المحدد، ويوصيهم بعمل «كمين» محكم، وعدم العودة إلاّ و«الحرامي» معهم.. ولم يخيبوا أمله بعدها أبداً.. كانوا يأتونه مع الفجر، دائماً، يدفعون أمامهم لصاً مقيد اليدين، وهم يعتذرون للعمدة بأن :«البقية لاذوا بالفرار.. ولكن أفشلنا محاولة السرقة..» خلال خمسة أشهر متتالية، كانت مجالس أهل حِلّة «عجل حديد» عامرة بالحديث عن إنجازات العمدة وخفرائه الحاذقين، والتي تمثلت في إفشال جميع محاولات السطوالليلي، والقبض على اثني عشر «حرامي».. ولكن المنصفين لم ينسوا دور فكي أبكر، الذي كان، بدوره، سعيداً أن استجاب الله دعواته وكفى القرية شر طوارق الليل من اللصوص.. كان في الحِلّة رجلان فقط يعلمان أن الحرامية الأثني عشر هؤلاء، نصفهم من رجال «جربوكس»، ونصفهم الآخر من مساعدي «كتينة».. هذان الرجلان هما عبد الله جربوكس وكتينة، اللذين كان كل منهما يبلغ العمدة هاتفياً عن عمليات الآخر!! ثم انقطعت الهواتف عن العمدة لشهرين متتاليين، نعمت خلالهما القرية بالأمن، واستوعب خلالهما كل من جربوكس وكتينة درساً كانا بحاجة إليه، قبل أن يغيرا اتجاه المعركة.. في منتصف الطريق بين بيت جربوكس وبيت كتينة، التقى الرجلان، وقررا التصالح والعمل معاً.. في الليلة التالية، وما تلاها من ليال، ظل العمدة يتلقى الهواتف من جديد، هواتف تحدثه عن سرقات ستحدث الليلة، وظل يبعث بخفرائه المدججين بسلاحهم وذكائهم، إلى المكان والزمان المحددين، ليعودوا إليه فجراً وليس في يدهم شيء، بينما يأتي إليه عند الصباح من يخبره بحدوث سرقتين، في مكانين مختلفين.. بعد عام واحد، كان «عبد الله جربوكس» قد أصبح هو العمدة الجديد لحلة «عجل حديد»، وكان شيخ البلد هو «كتينة»، وكانا قد أسسا شركتين تعملان في مجال واحد، وقد علمتهما صروف الدهر حكمة تقول: «إذا اختلف اللصان، ظهر المسروق».. فاتفقا..