رمضان كريم عبارتان حبيبتان إلى لسان كثير من المسلمين حين يلقى بعضهم بعضاً.. يبتدر بهما المسلم أخاه المسلم عند حلول هلال رمضان الآتي بالبشرى والهداية والفرقان ويضيف آخرون عند التهنئة به.. تصوموا وتفطروا على خير. ورمضان كريم تهنئة حارة وبشرى مستطابة يتبادلها المسلمون.. ورمضان كريم وعبارة كريم فيه تعني الجود والعطاء بلا حساب وعدد، وذلك كما قال رسولنا الكريم في رواية الحديث القدسي عن ربه تعالى «كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».. وليس هنا من هو أكثر كرماً منه حين يجعله الله شهر القرآن الذي فيه أنزل فكان هداية وفرقان وبينات ورحمة معطاءة متدفقة من غير إحصاء وعدد إلاّ في علم الغيب عند الله تعالى وحده. والكرم الذي يكون في رمضان ليس كما قال الشاعر المبدع أبو الطيب أحمد بن الحسين أبا محسّد الشهير بالمتنبي حين يقول لولا المشقة ساد الناسُ كلهم.. الجود يفقرُ والإقدام قتّالُ وأفضل أيضاً مما وصف شاعر المهجر إيليا أبو ماضي اللبناني الأصل حين قال عن الكريم: إن الكريم كالربيع.. تحبُّه للحسن فيه وتهش عند لقائه.. ويغيب عنك فتشتهيه ولكن رمضان منحة الله العظمى لعباده لأنه جل في علاه وحده صاحب صفة الكمال في الكرم فهو كريم رحيم لطيف جعل كرمه في رمضان أن جعله شهر القرآن نزولاً وتلقياً وتعهداً وعبادة وترتيلاً وحفظاً وتجويداً. وخصه بليلة مباركة تأتي في ثلث رمضان الأخير وفي إحدى ليالي الوتر قيامها لوحدها خير من عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة فيها يُفرق كل أمر عظيم من تقدير الأرزاق وتحديد الآجال وعتق الأرواح من النيران وإهداء السلام الكافي الشافي للنفوس الصائمة القائمة إيماناً واحتساباً. والكرم فيه أيضاً يظهر جلياً بتصفيد مردة الشياطين من أبناء إبليس عليه اللعنة وكبت شر الشياطين من أبناء آدم عليه السلام. وهو من أعظم أيام الله في السنة حرمة وقداسة وخيرية ينشر فيه الرحمة والهداية والوصل والتواصل بين أبناء ملة الإسلام الحنيفية والوسيطة.. لذا خير وصية تقال للصائم أن يكف اللسان وصادق القرآن ويتوب إلى الرحمن مع إطعام الطعام وإقراء السلام وصلاة القيام فإن فعل ذلك أصاب الجنان من باب الريان - بإذن الله وتوفيقه.. ورمضان كريم فصوموا وافطروا على خير حلال من شراب بارد.. وتمرات رطبات.. ولقمات سائغات .. ربنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم.. ونعطي ما بقي من مساحتي لأخي الكريم المربي الأستاذ طلال أحمد العجيل لينقل لنا صورة نموذجية لامرأة آمنت بربها فصبرت واحتسبت فغنيت إلاّ بالله واقتنعت. إلى الأخ/ وقيع الله حمودة شطة امرأتان من ذهب فكن أنت لهما يا عمر!! يمضي الإنسان في هذه الحياة ومصيره إنما إلى جنة أو إلى نار يحكم بذلك عمله إن صلح فهو لا شك من أهل الجنة، وإن فسد فهو من أهل النار.. إلاّ أن يتغمد الله برحمته، فمن أراد الفوز فليصلح عمله وإلاّ فهو من الخاسرين. من أهم الصفات التي يتصف بها المجتمع الإسلامي التكافلي الذي يميزه عن كل مجتمع سواه لكن مجتمعنا بات ينقصه الكثير من صفات التراحم والتكافل. ما دفعني لقول هذا قصتان عايشتهما في صبيحة شهر الرحمة «رمضان». القصة الأولى امرأة كبيرة في السن تمارض ابنتها في مستشفى بحري كتب لها الطبيب أدوية بمبلغ مائة وعشرين جنيهًا وهي لا تملك ثمن هذا الدواء، تحصلت فقط على دواء بقيمة سبعة جنيهات من الصيدلية المجانية، فهل تتوقع أن تجد في صيدلة كتب عليها مجانية أكثر من ذلك؟ تقدم إليها أحد فاعلي الخير وأعطاها مبلغ مئتي جنيه فرفضت بشدة وقالت إنما أفوّض أمري إلى الله ولا أريد صدقة من أحد ولكن مع اشتداد مرض ابنتها قبلت المبلغ بعد إلحاح على أن تكتب وصل أمانة لصاحبه وهي تبكي من شدة الموقف، هزّ هذا المنظر كل الحضور وفي هذه اللحظة لم تتذكر أي أحد في هذا الوطن الكبير كما قالت غير عمر.. يا ترى من هو عمر هل هو عمر بن الخطاب أم عمر بن البشير لا بل: إنه عمر ابنها الذي توفي قبل حين ولم يعد لها عمر ترتكز عليه بعد الله.. فقد ذهب عمر بن الخطاب. وذهب ابنها عمر فأين عمر الثالث من العمريين وأين الراعي من الرعية؟ هل لو كان بيننا عمر بن الخطاب رضي الله عنه احتاجت هذه المرأة لثمن الدواء؟ ربما لم تكن في المستشفى من أصله الذي قد تكون جاءته لنقص الغذاء أو رداءة البيئة.. عمر الذي قال والله لو عثرت بغلة بالعراق لخفت أن يسألني ربي لم لم أسوِّ لها الطريق. والآن كم من أرجل تحتاج لمن يقيل عثراتها وكم من أنفس تحتاج لمن يزيل أنّاتها ويزيل عنها البلاء والغلاء الذي عمّ الأسواق بصورة مخيفة فأين أنت أيّها الراعي ابن البشير والرعية بين فكي الغلاء ونصب التجار. أما القصة الثانية فهي امرأة قابلتها وأنا وصاحبي جالسة على قارعة الطريق عند الساعة الثالثة والنصف صباحاً تبيع بعض الأشياء قليلة القيمة تقدمنا منها فعلمنا أنها تعول أسرة من بنتين وولد في سن الدراسة وتؤجر منزلاً بقيمة لا تكاد تستطيع سدادها حاولنا مساعدتها فرفضت بشدة وقالت «لو كنت بشيل الصدقة ما كنت قعدت في المكان دا للوقت دا» أخي الرئيس هؤلاء ممن بايعوك وهتفوا باسمك وأحسنوا الظن فكن لهم يا عمر..