عرفت حماد إسماعيل حماد منذ أن كان طالباً بالعام الدراسي الأول بجامعة أم درمان الإسلامية الزاهرة «والغريب أنه سألني يوم حييته عند مقدمه للجامعة: هل أنت طالب بالثانوي؟ فأجبته ممازحاً: كلا! فإني طالب بالعام الثاني بالجامعة بينما أنت تدرج إلى العام الأول فيها!» وكنت كلما تأملت أطواره وأوطاره بعد تلك الواقعة رأيته منشغلاً بجلائل الأمور وعظائمها. وقد كان حينها طالباً متعمماً، لا يرتدي ملابس الفرنجة، ويتوجه إلى طلب العلم الشرعي والدنيوي بجد وعزم، ويفكر كما يفكر الشيوخ، ويحترم الناس جميعاً ويتحدث معهم بود غامر. وما أذكر أني رأيته غاضباً أو منفعلاً حتى لو تعمد البعض إغضابه وإزعاجه، فهو حكيم الطبع لا يستفز. وأغلب ظني أن الأحداث الأخيرة المحدودة التي استقبل بها في عاصمة الغرب العظيمة، نيالا، لم تستفزه أو تطبع نَكتة سيئة في قلبه الذي تجاوز في ما مضى من دهره كثيراً من نكد الدنيا وبلائها. وقد أعجبني قول السياسي الكبير القلب الأستاذ عبد الحميد كاشا فيه: إنه صديق حميم، ورجل مرتب. وهذا ما صدق فيه الأستاذ كاشا، إذ خبرنا حماداً وبلوناه، من قبل أن يخبره كاشا ويبلوه، وعهدناه تماماً كما قال. ولذا نرجو أن يستمع أهل الولاية الكرام إلى دعوة واليهم السابق الأستاذ كاشا الصريحة التي توجههم للتعاون مع واليهم الجديد الأستاذ إسماعيل. ونوصيه هو الآخر أن يستوصي بما أوصى به زعيم الحكماء السياسيين، سيدنا معاوية بن أبي سفيان، رضي الله تعالى عنهما، حين قال وهو يستذكر تجربته السياسية القويمة: والله إنْ كنت لألقى الرجل... فيوسعني شتماً وأوسعه حلماً، فأرجع وهو لي صديق، أستنجده فينجدني، وأثور به فيثور معي، وما رفع الحلم عن شريف شرفه، ولا زاده إلا كرما! وقد أعجبني أيضا قول الوالي الجديد حماد إنه سيسير على خطة الوالي السابق كاشا. ونرجو ألا تكون هذه قولة سياسيين تقال من أجل التهدئة، ونرجو أن تصبح مناراً هادياً لعمله، فلا يخالف خط الوالي السابق، ولا يعدو عليه ماسحاً كما تقول النُكتة المصرية الشهيرة! ويكفي الوالي الجديد حماد مجداً أن ينفذ أجندة الوالي السابق كاشا، فهي أجندة صحيحة، وذات شعبية ضاربة، نالتها لأنها مثلت أماني الناس، وحُقَّ لها أن توصف بأنها سياسة خط الجماهير، التي كان كثيراً ما ينظِّر لها ويطبقها الثوري الأكبر في عصرنا: الزعيم الصيني ماو تسي تونغ! وعلى هامش ذلك ننصح صديقنا القديم حماد ألا يكلِف بإدارة الاجتماعات المطولة، ولا يتجشم عقدها، فما فيها إلا اللغو الفارغ، والتآمر الخبيث على الآخرين، والسعي بأجهزة الدولة ومقدراتها لتنفيذ الأجندة الشخصية، وجلها أجندة فساد سياسي واقتصادي. وحتى إذا ما انتهى الوالي الجديد حماد من تطبيق ما تبقى من أجندة حكومة الوالي السابق، فإنه يحق له أن يعقد ما شاء من اجتماعات. ونوصيه ألا يخون عهد تلمذته على يد إمامنا وسيدنا يوسف حامد العالم الذي ضحى بكل شيء من أجل إعداد وصنع الرجال. وعليه أن يجعل أكبر همه وجل وَكْده الحدب على فقراء الناس وضعفائهم، والتجافي عن سراتهم وانتهازييهم، الذين سيطرقون أبواب مكتبه وداره بلا كلل طلباً للمناصب والوظائف والمغانم.