عند تخريج طلاب الخدمة الوطنية العام الماضي بولاية سنار وبإستاد حاضرتها مدينة سنجة دارت أحداث مؤسفة جُرح وراح ضحيتها عددٌ من المواطنين وعندما تفاجأ واليها أحمد عباس بالأمر طفق يكيل الاتهامات يمنة ويسرة ناسيًا وقتها أنه المسؤول الأول والأخير باعتباره الوالي ورئيس لجنة أمن الولاية وعندما هاجمه الرأي العام محملاً إياه المسؤولية لم يجد الوالي المغلوب على أمره بداً من التراجع ورد الأمر للقضاء والقدر عندما قال للصحافيين في تبرير أخير لم يدلِ بعده بشيء بشأن الأحداث: (والله الأحداث دي عين وأصابتنا). هذا التبرير رأى فيه الكثيرون أنه يصلح تمامًا لتجسيد حالة والي جنوب دارفور حماد إسماعيل الذي وجد نفسه دون غيره من نظرائه الذين عُينوا مؤخرًا في مواجهة مواطني ولايته أو بعض منهم، فالمتشائمون غالبًا ما يتطيرون بمجرد حدوث شيء سيء ينقص من الفرحة التي لم تكتمل لدى حماد يوم عُيِّن والياً لجنوب دارفور التي استقبلته بالاحتجاجات والمظاهرات رفضًا لتعيينه وتمسكًا بسلفه عبد الحميد كاشا وصاحبت عملية الإحلال والإبدال تلك أحداث راح ضحيتها ستة مواطنين وإصابة العشرات وحرق مقار حكومية وتدخلت الأجهزة الأمنية لفرض الأمن وإجلاء الوالي حماد إسماعيل فيما تم بعد ذلك اعتقال نحو «25» من قيادات وعناصر الحزب بالولاية. لم يكن الأمر سهلاً تحمله على الوالي الجديد فقام باتهام فئات ضعيفة في مجتمع الولاية بالاعتراض عليه ومساندة كاشا من بينها من سماهم ب «الشماسة» والباعة المتجولين وستات الشاي.. وقد تأسف الكثيرون لتصريحات الوالي وآخرون على الوضع الذي وجد حماد نفسه فيه وهو بعد حديث عهد بالمنصب الذي يتولاه لأول مرة في حياته وقيل إنه والٍ سيء الحظ خاصة إنه جاء خلفًا لكاشا الذي كسب ود غالبية مواطني الولاية وقبائلها ومكوناتها الأمر الذي جعلهم يعترضون بشدة على إعفائه.. ورأى آخرون أن حماد جاء واليًا على ولاية شهدت خلافات وصراعات كثيرة بين ولاتها السابقين الذين ينتمي معظمهم لقبائل من ذات الولاية وبجانب ذلك لم يجانب حماد الصواب في استعداء فئات وشرائح مهمة في مجتمع الولاية باستطاعتها أن تنقص عليه فرحته بمنصبه الجديد ومكانته وأمن واستقرار ولايته بالرغم من أن البعض رأى أن الاحتجاج والاعتراض لم يكن يقصد به حماد في شخصه بل على قرارات المركز التي قضت بإبعاد كاشا ولم يكن لأي من الناس اعتراض على حماد بل اعتبروه مجرد رسول مكلف من المركز وهو ما أكده حماد نفسه عندما نفى أن يكون هو المستهدف شخصيًا من الأحداث التي وقعت إبان تنصيبه وقال إنه ليس طرفًا في ذاك الصراع ولما لم يسلم حماد من كل ذلك فقد عاندته كذلك الظروف البيئية التي أبت أن تتركه يهنأ بالهدوء ولو للحظة ويتردد أنه في زيارته الأخيرة لتفقد أهالي كبم في محنتهم الأخيرة جراء السيول والأمطار فقد بُوغت ووفده المرافق بسيل جارف أجبرهم على المغادرة. ويقول الكثيرون من أبناء الولاية إن حماد رجل «طيب» حسب تعبيرهم حتى لقبوه ب «الفكي» ويحمل الكثير من الهدوء في محياه ووقارًا مستمدًا من طبيعته ونشأته وتعليمه، فقد درس بجامعة أم درمان الإسلامية وقال عنه بعض زملائه إنه كان حينها طالبًا متعممًا لا يرتدي الملابس الإفرنجية ويتوجه إلى طلب العلم الشرعي والدنيوي بجدٍ وعزم ويفكر كما يفكر الشيوخ ويحترم الناس جميعًا ويتحدث معهم بود غامر ويندر أن تراه غاضبًا أو منفعلاً حتى لو تعمد البعض إغضابه وإزعاجه فهو حكيم الطبع لا يستفز، وقال عنه كاشا إنه صديق حميم ورجل مرتب. لم يتجاوز حماد العام منذ تعيينه في يناير الماضي حتى وجد نفسه أمام عبء كبير بعد أن تعاظمت الأحداث الأمنية بالولاية التي صارت معبرًا للحركات المسلحة العائدة من الجنوب إلى دارفور وكثرت اشتباكاتها مع المواطنين في المدن والقرى التي تمر بها كما كثرت أحداث النهب والقتل في مدن الولاية وحاضرتها نيالا وفي وضح النهار وزاد من «طينها بلة» الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد وتأثرت جرائها جنوب دارفور كثيرًا حيث شهدت حاضرتها نيالا أزمات متعددة من انقطاع في خدمات الكهرباء والمياه وتوقف المواصلات بسبب شح الوقود وارتفاع أسعاره بعد أن رفضت الحكومة تعديل سعر تعرفة النقل، بجانب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية بسبب ارتفاع قيمة الترحيل وغيرها من العثرات ليجد إسماعيل نفسه مرة أخرى ضحية أخطاء غيره بسبب الإجراءات الاقتصادية الأخيرة لتنتظم مدينة نيالا الاحتجاجات مرة أخرى في وقت طالبه الكثيرون بالاستقالة من المنصب واعتبروا فترة حكمه رغم قصرها مليئة بالإخفاقات.. فهل يستجيب حماد لفعل الضغوط الممارَسة عليه بفعل غيره من الناس والأقدار ويستقيل من منصب يجلب الهم والغم أم يستمر في صبره وانتظار الحلول المرة على المواطن ويعتبر الاستقالة هروبًا وتوليًا يوم الزحف كما قال ذات مرة؟.