أرجو ألا يكون قرار مجلس تشريعي دولة جنوب السودان بوقف ضخ النفط وما تبعه من مظاهرات مؤيدة والتفاف شعبي عن جهل، وما نقلته شاشة تلفزيون دولة جنوب السودان من مشاهد دراماتيكية تعضد عملية الإطفاء... أرجو ألا يكون ذلك كله فذلكة سياسية ومسرحية سيئة الإخراج، ونوعاً من أنواع المراوغة والضغط لجهة مرور النفط عبر الأراضي السودانية مقابل دولار واحد للبرميل، أرجو ألا يكون ذلك لعبة تلعبها دولة مازالت في مهدها وتحب اللعب متخذةً إياه خصيصة تميزها عن الكبار. هذا مع تأكيدي أن ما أرجوه لم يكن لينحدر باتجاه قطع الوصل، وإغلاق الباب بعنف في وجه العلاقة بين دولتين شتيتين ليس هناك ما يجمع بينهما.. إنما يأتي وقد «هَرِمنا» ونحن نستمع لمثل هذا التهديد، كما يأتي ليعلم من جهل أن عائدات مرور نفط الجنوب لا تمثل أكثر من 7% من إيرادات السودان، وهذا يحفز الخرطوم لبذل مزيدٍ من الجهد تعويضاً لهذا الفاقد، دون الركون لردمه بفرض الجباية وتحميله على المواطن.. ثم إن مواطن دولة الجنوب الذي لم يذق طعماً لعائدات النفط سوف لن يتأثر بهذه الخطوة المشروعة، إنما الذي سيتأثر بالطبع هو من تتدفق العائدات في جيبه، ثم يقوم بتحويلها إلى حسابه الشخصي بالبنك التجاري الكيني، الذي سيتأثر هو السيد سلفا لجهة توقف تغذية حسابه ببنك بكوثي فرع جوبا بالرقم «0052» حيث ترقد فيه الآن أكثر من ثمانية ملايين دولار، ويشرف على عملية الإيداع المدعو سيرلو مكنة وزير مكتب الرئيس. ثم إن ما أخشاه هو أن يذهب رجائي مع الريح، وكل المؤشرات تقود إلى ضعف اليد التي امتدت لتوقف ضخ النفط أو تغيير مساره إلى ميناء ممبسا، أو تنقله بالبر أو بالنهر عبر مسالك غير التي كان يسلكها. إذ أن ما حدث هو إطفاء للحقول المنتجة لمزيج النيل دار، على اعتبار أنه خام خفيف ويسهل معه تنظيف الخطوط وبقية المنشآت في حال إعادة الضخ، ولم يتم إطفاء حقل ثارجاس الذي يضخ خاماً ثقيلاً وشمعياً مما يصعب من إعادة الضخ مرة أُخرى في حال تعرضه لعملية إطفاء، وهذا يؤكد أن العملية برمتها لم تخرج من إطار التكتيك والضغط، والتهديد النابع من سوء التقدير. والذي يؤكد ما كنت أرجوه كذلك، هو الضغط الممارس من الطرف الثالث المتمثل في الشركات المنتجة لعظيم الأثر والخسائر المالية التي سوف تتعرض لها في حال توقف الإنتاج، مما دفعها للتلويح بالشرط الجزائي المنصوص عليه في صلب اتفاقية قسمة الاستكشاف والإنتاج (EPSA) تعويضاً لخسائرها الناتجة عن الإطفاء، مما سينسحب خصماً على عائدات دولة الجنوب. كما أن عدم ثقة دولة الجنوب في الوعود أو البدائل التي طرحت عليها من أصدقائها في سبيل دفعها للتصعيد والشروع في الوقف الصوري لضخ النفط .. يجعلني غير متحمس لدعم ما كنت أرجوه من قيام دولة الجنوب بإطفاء كامل الحقول، حتى نتفرغ بعد ذلك وبطريقتنا الخاصة لحسم ما تبقى من قضايا عالقة كأبيي والحدود ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، واضعين نصب أعيننا ملامح تعامل دولة الجنوب الداعمة للتصعيد إلى درجة الحرب. وأخيراً أختم بضرورة عدم تمادي الخرطوم في دلالها لدولة الجنوب، وعدم التفاوض معها حول كل العوالق من منطلق ضعف.. وحول قضية النفط بالذات يجب أن يكون الموقف: أن للجنوبنفطه نعم، ولكنَّ للشمال حقاً مشروعاً طالما أن النفط يتدفق عبر أراضيه.. شاء من شاء وأبى من أبى!!