يا ترى متى يصبح العالم العربي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ومتى تنتهي تناقضات هذا العالم الذي يمتد من المحيط إلى الخليج؛ فقبل حوالى ثلاثة أسابيع، وفي لبنان أقيم احتفال كبير أحيته الفنانة هيفاء وهبي وقامت بتقديم وصلة غنائية واستعراضية راقصة نالت إعجاب الحضور الحاشد من الشباب من الجنسين!! الحفل الكبير كان بمناسبة اختيار ملك جمال لبنان للعام 2012.. نعم ملك جمال لبنان وليس ملكة جمال لبنان!! وتم اختيار 4 آخرين كوصفاء للملك المتوَّج. الملك المتوج سيكون ملكاً طوال هذا العام على كل الذكور في لبنان دون أن ينازعه في ملكه وعرشه أحد! يحدث هذا التتويج والاحتفال بملك الجمال في وقتٍ يتساقط فيه شباب وشابات ونساء وشيوخ وأطفال سوريا الدولة المجاورة للبنان برصاص ودانات مدافع نظام الرئيس الأسد. يحدث هذا التتويج لملك جمال لبنان في وقتٍ تدك فيه دبابات الجيش السوري بقذائفها منازل المدنيين في القرى والبلدات وتهدمها على رؤوس سكانها وهم نائمون. يقام حفل تتويج ملك جمال لبنان في الوقت الذي تمتلئ فيه السجون السورية بالناشطين من شباب سوريا الثائرين ضد الظلم والقهر والقمع والكبت والفساد. إنه لشيء مؤسف ومخزٍ وفاضح ويا للحسرة على شباب لبنان ويا للأسف والأسى على مستقبل هذه الأمة. حرب حميدة حرب حميدة تقودها سلطات ولاية الخرطوم هذه الأيام على التدخين وتجارة التبغ؛ فقد أصدر المجلس التشريعي للولاية قراراً الأسبوع الماضي يقضي بحظر كل أشكال الإعلان والترويج لمنتجات التبغ بجانب حظر التصديق والترخيص لمحلات بيع التبغ بالقرب من المؤسسات التعليمية ودُور العبادة والمطاعم، وحذَّر المجلس الشركات العاملة في مجال التبغ بعدم رعاية الأنشطة الثقافية بغرض الترويج والإعلان لمنتجاتها، حيث حدد المجلس عقوبة مخالفة هذه اللوائح بالسجن ثلاثة أشهر أو الغرامة ثلاثمائة جنيه، وأجاز المجلس قانون مكافحة التبغ بولاية الخرطوم ورهن سريان هذا القانون بصدور فتوى من مجلس الإفتاء الشرعي حول حرمته من عدمها!! والخميس الماضي أصدر وزير الصحة بالولاية قراراً قضى بمنع تداول التبغ في المؤسسات الصحية العامة والخاصة بناءً على إجازة تشريعي الولاية لقانون مكافحة التبغ. نقول إن هذه حرب حميدة تأخر شنّها زمناً طويلاً على هذه الآفة المدمرة التي تعتبر مدخلاً وبوابة فئة الشباب للولوج إلى عوالم المخدرات والإدمان وسبباً رئيساً في انتشار أمراض السرطان والقلب والشرايين.. ولا نملك إلا أن نثمن هذه الخطوة من ولاية الخرطوم ونأمل أن تحذو بقية الولايات حذوها، ونأمل أيضاً أن لا تقف هذه الحرب عند هذا الحد بل تمتد إلى التضييق أكثر فأكثر على المنتجين والمستهلكين على حد سواء وبتوسيع نطاق المنع حتى لا يجد المدخنون مكاناً يمارسون فيه هذه العادة القاتلة وليستريح المدخنون «سلباً» وهم الأكثر تضرراً حسب التجارب العلمية من استنشاق ما ينفثه وينفخه ويزفره المدخنون «بالأصالة» إذ يتلقى المدخنون سلباً الدخان الملوث بما في صدور المدخنين و«حلاقيمهم» مباشرة ليدخل إلى جهازهم التنفسي وهو «جاهز» بلا حول منهم ولا قوة. المدارس النموذجية: قصدت الأسبوع الماضي إحدى مدارس الأساس الحكومية المسماة بالنموذجية بمحلية كرري للاستفسار عن إجراءات القبول فيها للصف الأول للعام الدراسي الجديد، ولكنني صدمت حينما علمت من مديرة المدرسة بأن باب التسجيل قد أوصد منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وأن عدد المسجلين للصف بلغ التسعين!! وأن هناك فصلاً «استثمارياً» انتهى التسجيل له منذ سبتمبر الماضي!! هذا الأمر يتكرر كل عام تقريباً في كل المدارس النموذجية بالولاية، والأسئلة التي تدور في أذهان أولياء الأمور كثيرة أهمها أولاً كيف يُفتح باب التسجيل ويُقفل في شهر يناير وقبل انتهاء العام الدراسي؟ وما هي الفترة المحددة من قبَل وزارة التعليم العام للقبول بمدارس الأساس هل هي قبل انتهاء العام الدراسي أم بعده؟ وكيف يتم قبول تسعين تلميذاً ليحشروا في فصل واحد وهم في أول عهدهم بالدراسة النظامية، وفي أولى مراحل التعليم المدرسي؟ هل حشد كهذا سيوفر لهم بيئة مواتية للتحصيل والفهم؟ وهل تستحق مدرسة كهذه أن يطلق عليها وصف نموذجية؟ بل ما هو معيار «نموذجية» المدرسة هل هو معيار يقوم على أساس القدرة المادية لسكان الحي الذي تقع فيه المدرسة، أم هو معيار يقوم على أساس المستوى التحصيلي المتميز للتلاميذ؟ أم أن المعيارين معاً؟ لأن الملاحظ في هذه المدارس أن جُلّها تقع في الأحياء المسماة ب «الراقية»، وقد عرفت من أحد العالمين ببواطن الأمور بشأن مثل هذه المدارس أن الأولوية في القبول لها بعد سكان الحي تعطي لسكان الأحياء الأخرى النظيرة حتى ولو كانت بعيدة جغرافياً، ويحرم منها سكان الأحياء الأقل درجة ولو كانت مجاورة لها! ثم ما هو العدد الأمثل من التلاميذ للفصل الواحد وفقاً للمعايير التربوية والتعليمية التي تلزم به وزارة التعليم العام مدارسها النموذجية وغير النموذجية، ومدارس التعليم الخاص؟ أم أنه ليس هناك سقف محدد وأن الأمر متروك لتقديرات إدارات ومجالس آباء هذه المدارس؟ وهل من العدالة قانونياً وأخلاقياً أن تكون هناك مدارس حكومية بمواصفات فندقية ومدارس حكومية أخرى بحالة مزرية وبمواصفات «زرائبية»؟ هذه وغيرها من الأسئلة نضعها بين يدي السيدة وزيرة التربية والتعليم العام الاتحادية سعاد عبد الرازق التي أعلنت أنها عازمة بقوة على إحداث تغييرات جذرية في مجال التعليم العام وتصويب الأخطاء العديدة التي اعترته في السنوات الماضية، نقول لها وهي تحضر لمؤتمر التعليم العام الثالث الذي سيُعقد الأحد القادم، يجب أن تولي هذا الأمر الاهتمام الذي يستحقه فتتم مراجعة شاملة لأوضاع ما تسمى بالمدارس النموذجية من كافة الجوانب وتصحيح الاختلالات فيها لتتسق مع الأهداف والقيم التربوية المنشودة.