تشير تقارير أممية إلى أن نذر حرب جديدة تلوح في جنوب السودان بينما تشهد معسكرات المقاتلين وضعا مزريا حيث ينتشر الفقر والجوع والفساد. العرب اللندنية – تعد المقاتلات المتمردات السابقات أو المنتميات إلى القوات الحكومية، من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تدربوا كقوة أمنية موحدة ضمن ما كان من المفترض أن تكون خطوة كبيرة في اتفاق السلام لسنة 2018 الذي صُمم لينهي الحرب التي أودت بحياة نحو 400 ألف شخص. وتعيش المخيمات ظروفا مزرية، مع انتهاء صلاحية الإمدادات الغذائية أو سرقتها بسبب الفساد. ومع قلة المنتجات الصحية، تستخدم النساء قطعا من القماش وأغطية السرير خلال فترات الحيض. وبينما تسعى بعضهن إلى العمل دون عقود قانونية في مجتمعات مجاورة من أجل لقمة العيش، يلوح خطر الاعتداء الجنسي أمامهن مما لا يشجّعهن على اتخاذ هذه الخطوة. قالت الأم البالغة من العمر 36 عاما، نيالويل ماكوي، إن الوضع مثير للاشمئزاز. فقد كرست حياتها لخدمة بلدها، لكنها لا تجد الدعم الكافي اليوم. وتابعت "حتى لو تحصلت على قطعة صابون، فستبقى رائحتك كريهة. غادرت بعض أخواتنا المركز بسبب هذا الوضع". وفي بعض الأحيان، كانت الوجبات تقتصر على مجرد ثريد ممزوج بالملح لإشباع الجوع لتعفّن إمدادات المخيم من الغذاء مثل الفاصوليا. وتقدّم النساء اللاتي قاتلن في السابق ضمن مجموعات متصادمة نفسهن اليوم على أنهن من القوة الموحدة لجنوب السودان، في محاولة لترك ماضيهن وراءهن. لكنهن يتذكرن المآسي المستمرة في بلادهن أينما نظرن مع انتشار انعدام الأمن ومظاهر الكسب غير المشروع والفقر. يحذّر البعض في المجتمع الدولي من أن تقيّد جنوب السودان باتفاق السلام مُهدّد. وقالت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة هذا العام إن معسكرات التدريب تستضيف عددا أقل بكثير من الهدف المحدّد البالغ 83 ألفا، وأن الجنود الحكوميين يشكلون "نسبة أقل بكثير" من المقاتلين المتمردين السابقين. تنتشر معظم القوات الحكومية في ثكنات في مناطق أخرى. وجاء في تقرير الأممالمتحدة أن "العديد من القادة الرئيسيين أصدروا تعليمات لقواتهم بالبقاء خارج مسار إعادة التوحيد الأمني والاحتفاظ بأسلحتهم والاستعداد للعودة إلى القتال". وأضافت أن دور معسكرات التدريب يقتصر على "التوجيه الأخلاقي الأساسي، وليس أي تدريب عسكري جوهري". وفي الأثناء، أدى القتال الطائفي المنتشر في أجزاء من جنوب السودان إلى مقتل المئات من الأشخاص خلال السنة الحالية. مما يضاعف الحاجة إلى قوة أمنية مدربة ومجهزة كما يجب. من جهة أخرى، قال الرئيس سلفا كير خلال الشهر الماضي إنه يدرك أن بناء السلام لا يزال بطيئا وبدرجة أقل من التوقعات. في مركز تدريب الشرطة التوفيقية في ملكال، الذي يجمع أكثر من 3 آلاف شخص، قررت النساء بيع الشاي وصنع الفحم لجمع المال للبقاء على قيد الحياة. وقالت فيرونيكا أكيج، البالغة من العمر 41 عاما، إنها قررت بيع الشاي لإعالة أسرتها. وأكدت أوين دنغ، البالغة من العمر 39 سنة، أنها بقيت مستيقظة ليلا وهي تخبز الخبز لبيعه صباحا. وتأمل في أن تكون من الدفعة الأولى من ضباط الشرطة المتخرجين من التدريب إذ يجب عليها أن تعيل سبعة أطفال. وقالت نياكوما أوين، البالغة من العمر 25 سنة "لقد سئمنا هذا الوضع". خلال جولة نظمتها وزيرة الدفاع بدولة جنوب السودان أنجلينا تينيفي على مواقع التدريب، أقرت بالتحديات. وشددت على أن مبلغ ألف جنيه سوداني (7 دولارات) لا يمكن أن يمكّن من شراء كيس دقيق. وتفهّمت أن الوضع يجبر على العمل دون تراخيص. دمرت الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى حد كبير النظام الصحي والخدمات الأساسية الأخرى، وتركت النساء معرضات لخطر أكبر من الرجال، حيث أفادت جماعات حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية الطبية أن العديد من النساء تعرضن للاغتصاب بعد الخروج للبحث عن الماء أو الخشب. ويبقى هذا التهديد قائما، حتى بالنسبة للمتدربين. ففي مركز بانييه للتدريب في بور، الذي يستضيف أكثر من 1800 شخص، قالت الممرضة مونيكا أغوانغ إنها شهدت العديد من حالات الاعتداء الجنسي. وقالت أغوانغ، البالغة من العمر 38 عاما "تحمل بعضهن ويجهضن أثناء التدريب في الميدان". ويصعب نقل النساء إلى المدينة لتلقي العلاج المناسب، لانعدام تعبيد الطرق بشكل جيّد كما يجب وظاهرة تكرر الفيضانات. وقالت إن العشرات يصبن بالسيدا، وهي نسبة مقلقة. ومع ذلك، لا يوجد دواء كاف لعلاج أي من الأمراض المنقولة جنسيا. كما فاقم فايروس كورونا المستجد الوضع. وقالت أبول مالوال، وهي أم لخمسة أطفال تبلغ من العمر 29 عاما، وصلت إلى مركز التدريب في يناير، إن 10 ينامون في خيمة مخصصة لإيواء ستة أشخاص. هذا بالإضافة إلى مذلّة طلب الفوط الصحية وعدم تلقي أي منها. وقالت مالوال إن الإمدادات الغذائية متقطعة منذ أشهر. واتهم رئيس مركز بانييه للتدريب، الجنرال جون أسياك أجيث، اللجنة الأمنية الانتقالية المشتركة التابعة للحكومة بعدم تقديم المساعدات اللازمة منذ يونيو. مما دفعه لطلب المساعدة من الفرق العسكرية الأخرى. كما قال الجنرال تشول مارتن، من الفرقة الثامنة بالجيش، إن جنوده لم يتلقوا رواتبهم وبدأ معظمهم في إعالة أنفسهم من خلال الصيد أو بيع الفحم. وأكّد بأنه يحاول مساعدتهم بالسماح لهم ببيع الطعام من المخزن. كما انتهت صلاحية معظم المواد الغذائية، لكن الجنود يستهلكونها، مما يؤدّي إلى تدهور صحّتهم. وقال الرئيس المشارك للجنة الأمنية الانتقالية المشتركة، الجنرال ويسلي ويلبي سامسون، إن اللوم يتجاوز مجلس الدفاع المشترك، أعلى قيادة أمنية في البلاد. حيث نجح بعض من الذين يبحثون عن الغذاء والإمدادات الطبية في الاستيلاء على امداداتهم بانتظام. وتشرف اللجنة الوطنية الانتقالية على توقيع عقود التوريدات دون أن تشارك في العملية. وأشار سامسون إلى أن هناك أكثر من 47 ألف متدرب في جميع أنحاء جنوب السودان. وتابع "هؤلاء بشر. إنهم بحاجة إلى تناول الطعام الذي من المفترض أن تكون المتاجر مليئة به". وأكد أن معظم المتدربين يغادرون المراكز بحثا عن الطعام في مكان آخر. في مركز تدريب شرطة كالجاك في بانتيو ، الذي يجمع حوالي 3 آلاف شخص، أبلغت النساء عن نفس الشيء: القليل من الطعام، لا أدوية، لا صابون، ولا فوط صحية. وقالت ماري ستيفانوس، البالغة من العمر 37 عاما إن الوضع مروع ورهيب. كما أن بعض النساء حوامل. وقالت شابة تبلغ من العمر 30 عاما، وتدعى ماري، إن حملها بلغ شهره السادس. ولكن، نادرا ما تتاح لها فرصة إجراء فحص طبي. وقالت "لا يمكنني حتى حضور التدريب أو الوقوف مستقيمة لأنني أشعر بالدوار". ووقفت بعض المتدربات لالتقاط صور لهن، مرتديات صندل الإصبع، وحملهن بارز تحت ملابسهن القماشية. ولم تلتزم سوى البعض منهن بالزي الرسمي. مورا أجاك