لا شكَّ عندي أنَّ نفس الأسباب التي أسقطت الاتحاد السوفياتي بكل قوته العسكرية والأمنية والعلمية يمكن أن تسقط أقوى الأنظمة الدكتاتورية، حتى لو كان حكامها في بروج مشيدة من القوة المادية والسلطوية السياسية والأجهزة الأمنية.. لنأخذ الاتحاد السوفياتي كمثال لنرى كيف تهاوت منظومتهوفقد كل شيء في أيام معدودات، رغم وصوله القمر ولكنه كان كالقبة الجميلة من الخارج وفي داخلها عظام الموتى!!.. لم يكن لغياب الحرية وحدها ولا احتكار حزب واحد للسلطة هو الذي أدى لسقوطه، بل كان الفساد الذي استشرى كالسرطان في جسد النظام سبباً رئيسياً في الفشل والسقوط.. وربما كانت الصراعات بين قادته منذ صراع ستالين مع تروتسكي ثم مع خروتشوف، هو الذي بذر بذرة الشقاق داخل النظام وأضعفه ودفع الدولة إلى حافة الفشل. قيل إنَّ جهاز المخابرات السوفياتي (الكي جي بي) قد كشف للقيادة السوفياتية آنذاك المتمثلة في الترويكا المكونة من بدقورني وبرجنيف وكوسيجن، كشف لهم أنَّ المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) قد جندت أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي، حيث رصدت له اجتماعاً معها في برلين وراقبته عاماً كاملاً ولم تجد له اتصالاً آخر، ولكنها متأكدة من تجنيده وطلب الكي جي بي من القيادة السوفياتية اتخاذ ما يلزم.. طلبت منها القيادة أن تقوم بمتابعته عن قرب أكثر حتى تقبض عليه متلبساً. استمرت المتابعة خمسة أعوام دون أن تجد الرجل متلبساً، حيث لم يرصد له اتصال آخر من أي نوع بالمخابرات الأمريكية، فقررت القيادة السوفياتية استدعاءه وطلبت منه الاعتراف بالعمالة، وأن يكشف لهم المعلومات التي أعطاها للأمريكان حتى يواجهوها قبل فوات الأوان مقابل إعفائه بهدوء من المكتب السياسي. اعترف الرجل بالعمالة ولكن لدهشة القيادة قال لهم لم أعط الأمريكان أي معلومات فسألوه كيف ذلك؟ قال لهم اجتمعت بهم مرة واحدة في برلين وكانت مهمتي تجاههم بحكم أنني مسؤول عن التعيينات في أجهزة الدولة، أن أقوم بتعيين أقلهم كفاءة وأكثرهم فساداً وطبعاً الباقي على المخابرات الأمريكية!! كانت النتيجة أن انهار الاتحاد السوفياتي حين أصبحت السلطة للفاسدين عاطلي الكفاءة، حيث أصبح النفاق والولاء الكذوب هو الذي يسيطر على مقدرات الدولة..!! ترى كم في عالمنا العربي في ظل الأنظمة السلطوية أمثال هؤلاء العاطلين عن الخبرات والمواهب والفاسدين الذين لا يصلون لأعلى المناصب ويديرون الدول إلا عبر النفاق والتزلف؟؟ النظام الديمقراطي رغم ما فيه من أخطاء بشرية لكنه أفضل من النظام السلطوي الدكتاتوري، فالفساد في النظام الديمقراطي يمكن السيطرة عليه وجعله في أضيق نطاق عبر الحريات الصحفية وعبر لجان البرلمان القوي، حيث تسيطر الشفافية والمحاسبة. ولكن في النظام الدكتاتوري فإن الفساد والفشل ينتشر حتى يشل الدولة، حيث تحرسه القوة الباطشة والتسلط والهتافية الكذوبة.. وهكذا يستمر الفشل تلو الفشل ولا تنفع معه الوعود والقمع لمن يطالب بالإصلاح والتغيير والإنجاز. محجوب عروة التيار