{ رقص بعض السياسيين هنا طرباً لعواصف التغييرات التي طالت حكومة الجنرال "سلفا كير".. وفرحت بعض الصحف وزغردت لإقالة "مشار" و"تعبان" و"دينق ألور" وأربعة عشر من كبار جنرالات الجيش الشعبي بقرارات أصدرها "سلفا كير" تباعاً، ليضع الجنوب في (المحك)، ويختبر شعبيته ونفوذه داخل الجيش الشعبي. { عواصف الجنوب وزوابعه وصراعاته واضطراب الدولة الوليدة، له آثاره المباشرة على السودان سلباً وإيجاباً، والعلاقة مع السودان وقضية أبيي ودعم متمردي قطاع الشمال قضايا حاضرة في المشهد الجنوبي المضطرب.. والصراع الذي بدأ سياسياً بين "سلفا كير ميارديت" والحرس القديم للجيش الشعبي والحركة الشعبية لا يعرف مصيره، هل يبقى سياسياً.. أم ينحرف نحو القوة العسكرية للحسم؟! وبإلقاء نظرة شكلية لجغرافية الصراع بين "سلفا كير ميارديت" وفرقاء اليوم، نجد أن جميع القيادات التي أقيلت من مواقعها تنتمي جغرافياً لشمال جنوب السودان، باستثناء "كوستا ماينبي" من الاستوائية، والثلاثي د. "رياك مشار" و"تعبان دينق" و"فاقان أموم" جميعهم من إقليم أعالي النيل، الذي يجاور ثلاث ولايات سودانية هي: النيل الأبيض وجنوب كردفان وغرب كردفان، وهناك اثنان من القيادات المقالة من إقليم بحر الغزال، هما "دينق ألور" (أبيي) و"مولنق" من (أويل). { ويتجه "سلفا كير" للعبة الموازنات القبلية، وضرب النوير بالنوير بتقريب واحتضان "جيمس هوس" رئيس أركان الجيش وأحد المقربين جداً منه والبعيدين من "رياك مشار" و"تعبان دينق" الذي يمثل ثقلاً في أعالي النيل وولاية الوحدة.. بينما يمثل "فاقان أموم" (أولاد قرنق) الأوفياء لمشروع السودان الجديد، ولا يستهان برصيده السياسي داخل الحركة الشعبية وعلاقاته مع الدول الغربية، رغم محدودية تأثير قبيلته (الشلك) على الصراع في الجنوب، وبسط غريمه د. "لام أكول" ذراعيه على منطقة "فاقان أموم"، حيث فاز حزبه الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي بكل المقاعد التشريعية في المنطقة!! { والجنوب دولة وليدة لم تعرف بعد الصراع السياسي السلمي، وإقصاء قيادات ورموز مثل "مشار" و"تعبان" و"فاقان" و"دينق ألور" الذي أبرم تحالفاً مع "مشار" منذ أن أخذ "سلفا كير" ينتهج سياسات عقلانية مع الشمال إزاء قضية أبيي، وستترتب على السياسات أحداث كبيرة قادمة.. فالقيادات التي تم إقصاؤها لن تذهب إلى بيوتها، وتجلس على الرصيف ترتشق القهوة وتناجي الجماهير للتصويت لها في الانتخابات التي أصبحت بيد الجيش الشعبي الذي يحاصر مقار الحكومة ويراقب حتى هواتف (المقالين).. وتمت إحالة الحركة الشعبية كتنظيم سياسي لثلاجة تحرسها دبابات العسكر، وفي حال نشوب صراع مسلح في الجنوب فإن جزءاً من ولايات السودان سيصبح في مرمى نيران الفرقاء الجنوبيين، وأي آثار سالبة للصراع، كالنزوح واللجوء، لن يجد سكان إقليم أعالي النيل وشمال بحر الغزال أقرب إليهم مودة من ولايات كردفان وبحر أبيض. { والراقصون طرباً لعواصف الجنوب واضطرابه، سيكتشفون لاحقاً خطل تفكيرهم وسوء تقديرهم حينما تداهمنا موجات اللاجئين، وتنتهك أرضنا القوات المتصارعة على الحدود ليتدفق السلاح لمتمردي قطاع الشمال، وتضطرب الحدود الدولية وتحيل الحرب السودان الجنوبي والسودان الشمالي إلى جحيم، وتدق أبواب بلادنا قوات أجنبية أخرى تضاف إلى ما هي مقيمة أصلاً في دارفور.