هل سيتوجه لإثيوبيا ، ليبقى فيها بصفة دائمة ؟ الخرطوم محمد جمال قندول شكَّل الإعلان عن وجود زعيم المعارضة الجنوبية "رياك مشار" بالخرطوم للتعافي من الإصابات التي لحقت في الجنوب الحدث الأهم هذه الأيام بالساحة السياسية الذي غطى على غيره من الأحداث . فبعد مغادرة النائب الأول لرئيس جمهورية الجنوب "تعبان دينق" من مطار الخرطوم بعد زيارة رسمية استغرقت يومين وبساعات قليلة أصدرت الحكومة بياناً كشفت فيه عن وجود "رياك مشار" بالخرطوم لتلقي العلاج ولأسباب إنسانية حتَّمت عليها استضافته، ليصبح الخبر موضوع اهتمام الرأي العام، في وقت كان التحضير لجولة جديدة من مفاوضات أديس أبابا، والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني المقرر عقده في العاشر من أكتوبر المقبل، يتصدران اهتمامات الساحة السياسية. وحملت الصحف الصادرة أمس (السبت) خبر مغادرة "رياك مشار" لمستشفى (رويال كير) بعد أن استقرت حالته الصحية، مع توقعات بعقده مؤتمراً صحفياً يكشف فيه ملابسات رحلته من غابات الجنوب، مروراً بالكونغو إلى الخرطوم، في وقت يجتهد فيه الخبراء والسياسيون في معرفة اتجاهات "مشار"، وخياراته، بعد خروجه المتوقع من السودان، وكيف ستكون وإلى أي جهة؟، وما هي مخططاته؟. وهل فقد قواته؟، وهل سيعود مجدداً لإشعال الوضع في جوبا أم يستجيب لداعي السلام ويعود للمشاركة في تنفيذ السلام، الموقع بينه وبين "سلفا كير"؟، بعد أن ارتوت أرض الجنوب بدماء الكثير من أبناء الجنوب إلى غير ذلك من الأسئلة التي تشغل البال . (1) وبحسب خبراء سياسيين فإن "رياك مشار" على الأرجح سيغادر إلى "أديس أبابا"، حيث مقر الاتحاد الأفريقي والوساطة الأفريقية والتي تقوم بمساعٍ حثيثة لمتابعة إنفاذ اتفاقية السلام والحيلولة دون انزلاق الجنوب في حرب أهلية من جديد. ويبرر الخبراء وجود "مشار" بالخرطوم بأنه تم في إطار تفاهم دولي إقليمي، خاصة وأن الإيقاد لديها رأي، إذ طلبت - في قرار أصدره مجلسها الوزاري - إبعاد "تعبان دينق" وإعادة "مشار"، إلى موقعه نائباً أول لرئيس الجمهورية، مشيرين إلى أن الوضع الراهن، هو وضع طارئ ومؤقت، وهو ناتج عن خرق وانتهاك لاتفاق أغسطس، ومتى ما تم تصحيح الوضع سيعود "مشار" إلى موقعه باعتباره رقماً لا يمكن تجاهله في معادلة السلام. ويرفض الخبراء في ذات الاتجاه وصف موقف "مشار" ب(الضعف) خاصة، وأنه زعيم قبيلة كبيرة مختلف عن "تعبان دينق" وزعامته محاطة بأساطير رائجة وسط قبيلة النوير، وهو ما يجعله في موقف قوة لأنه مسنود بقبيلة تعد الأكبر بين قبائل الجنوب في التعداد السكاني، بعد الدينكا، بالإضافة إلى أن "مشار" نفسه مدعوم بالكثير من الفصائل المعارضة، السياسية والعسكرية، ومسلحي قبيلته، خاصة ما يعرف بالجيش الأبيض، في حين لا يحظى "تعبان" بإجماع على شخصيته القيادية، وليس من المتوقع أن يعود "مشار" إلى الغابة أو يعاود التمرد من جديد، فالأرجح أن يتجول بعدد من العواصم الأفريقية، بدءاً من أديس ثم مروراً بنيروبي ودار السلام وغيرها من عواصم الإيقاد لشرح موقفه وكسب تأييد دول الإيقاد لجانبه، والمشاركة الفاعلة في الجهود الإقليمية والدولية لإنقاذ اتفاق السلام ، ومنع تجدد القتال . (2) ومن جانبها، فإن الحكومة يبدو أنها لا تريد الوقوع في حرج من خلال استضافة "مشار"، حيث أكد بيانها وأحاديث مسؤوليها بأن استضافته نتجت عن ظروف إنسانية قاهرة، وقد أكد ذلك وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة "أحمد بلال" حينما قال ل(المجهر) في وقت سابق بأن استضافته نتجت من واقع ظرف إنساني . وبمجرد أن يستشفى سيغادر الخرطوم إلى حيث يريد. وهو ما أكده أيضاً ل(المجهر) في حديث سابق نائب رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني "عبد الملك البرير" ، حينما قال بأن موقف السودان واضح للجميع داخلياً وخارجياً وأن استقبال مشار فرضته ظروف قاهرة إنسانية، حيث كان بحال يرثى لها، مشيراً إلى أن الرئيس "البشير" مدرك تماماً لكل تفاصيل الصراع بالجنوب سياسياً وعسكرياً، ومقتضيات التعامل معه . (3) غير أن القيادي الإسلامي والخبير العسكري العميد (م) "صلاح كرار" له رأي آخر، حيث يرى أن هنالك خياران قد يحدث أحدهما، أما أن يقيم "مشار" في الخرطوم باتفاق بين حكومة جوبا والسودان. وأما أن يغادر إلى منافي أوربا وخاصة بريطانيا لأنه يحمل جوازها. وأضاف كرار في حديثه ل(المجهر): إن "مشار" لن يعود إلى جوبا ولن يذهب إلى أي عاصمة أفريقية مجاورة عدا الخرطوم. ويرى "كرار" أن مصير خيارات "مشار" مرتبطة بما سيتمخض من آراء من أبناء قبيلة النوير وهل سيقبلون "تعبان" بديلاً ل"مشار" أم أن لهم رأي آخر؟. وبحسب مصادر مقربة فإن "مشار" سيغادر الخميس المقبل إلى الأردن لتلقي العلاج، ومن ثم سينتظر قرارات المكتب السياسي للمعارضة التي من المتوقع أن تخرج في وقت متأخر من مساء اليوم (أمس)، بالإضافة إلى اجتماع مرتقب –أيضاً- بين قيادات قبيلة النوير لبحث المستجدات، وبناءً عليها سيحدد توجهاته في المرحلة المقبلة. ومن المرجح أن يتوجه فوراً إلى العاصمة الإثيوبية أديس لشرح موقفه من الأحداث للاتحاد الأفريقي، ومقابلة وساطة الإيقاد، مع إمكانية السفر إلى الأردن في أي وقت لإجراء فحوصات شاملة . وما بين وجود "مشار" في الخرطوم وزيارة "تعبان دينق" تبدو الخرطوم في أفضل أحوالها في التعامل مع الأزمة الجنوبية، فهي قد اتخذت الموقف السليم في التعامل مع الطرفين، حيث أخطرت الجنوب بوجود "رياك مشار"، بصفة غير رسمية، مع تبادل الأفكار والرؤى مع "تعبان دينق"، بصفته نائباً أول لرئيس الجمهورية ، بحكم الأمر الواقع، وهو ما يؤهلها للعب دور إيجابي أكبر في مقبل الأيام، لتقريب وجهات نظر الأطراف الجنوبية، وتسوية الخلافات بينها، وتوحيدها حول اتفاق السلام وتنفيذه.