التجانى حاج موسى وأنا يافع صغير تصحبني والدتي صباح العيد بعد الصلاة لنزور قبر والدي وكانت تعد اللقيمات والفطاير والماء البارد.. (سلام عليكم إنتو السابقين ونحن اللاحقين، كل من عليها فان).. أمي كانت تردد هذه العبارة حفظتها عن ظهر قلب وما زال المشهد محفوراً في قلبي وطعم اللقيمات مازلت أتلمضو.. أمي لم تكن تعرف عن أبي كثيراً وسيرته الذاتية.. سوى أنه من فاس الما وراها ناس، وأنه شيخ من شيوخ التجانية وأنها لم تعش معه سوى سنوات قليلة لم تنعم فيها معه بالأنس إذ كان دائم السفر وحوله المريدون والتلاميذ.. وكانت تقول أمي أنت يا "أحمد التجاني" الخالق الناطق أبوك، لكن شلت مني سمرة اللون، والدي رحل قبل ستين سنة ووالدتي قبل ثلاث سنوات.. ترى متى ألحق بكما؟! والعيد على الأبواب غمرني هذا الحنين وزمان أهلنا يؤرخون ويقولون سنة مات فلان.. يرحم الله أمهاتنا وآباءنا آمين. وأستاذي الشاعر الكبير "مصطفى سند" أيضاً جاءت ذكراه تترى.. قبيل وفاته كنت لصيقاً به فقد كان رئيس لجنة إجازة النصوص الشعرية الغنائية بالمجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية والعلاقة صارت أولية مباشرة أسرية.. شغل رئاسة تلك اللجنة لعدة سنوات يجتمع كل أسبوع بمكتبي وبقية أعضاء اللجنة. أستاذي المرحوم الشاعر الكبير "مهدي محمد سعيد" وأستاذ شاعر العيون "عبد الله البخيت" هو زوج شقيقة الراحل "سند" وأيضاً ل"سند" شقيقة أخرى زوجها الأستاذ الشاعر الكبير الراحل "محيي الدين فارس".. والله ما رأيت إنساناً عميقاً بسيطاً رقيقاً مثل "سند".. الدكتورة زوجته كانت أستاذة تدرس بجامعة من جامعات السعودية.. كان من المفترض مرافقتها بالمهجر، لم يستطع كان عاشقاً للوطن.. قدم منها هاشاً باشاً حيّانا وجلس على مقعده باللجنة.. يا حبايب أنا باقي لي شوية شهور معاكم.. حماكم الله أنا مصاب بالورم الخبيث!! حسبناه يمزح، لكن الخبر كان يقيناً.. شفتوا بالله "مصطفى سند" كيف شجاع؟! قال لي (شكراً يا ود دار السلام!! إنت الوحيد الأقنعتني اقرأ أشعاري الدارجة الغنائية وكنت قد تبرأت منها). "سند" أنتج إنتاجاً غزيراً وأصدر عدة دواوين شعر إلا أن قصيدة البحر القديم التي سمى بها ديوانه المبكر ظلت وستظل محطة يقف عندها كل قارئ للشعر الحديث.. يرحمك الله أستاذ "سند" رحمة واسعة.. في خواتيم شهر الرحمة فقد تعلمنا منك الكثير وكنت باهياً جميلاً مجدداً في أشعارك وشاعراً غنائياً كتبت (أكتبي لي يا غالي الحروف). وأتذكر أستاذي الشاعر المعلم "محيي الدين فارس" أواخر تسعينيات القرن الماضي.. والرجل كان دائم الحضور إلى المجلس القومي للآداب والفنون، كنت أميناً لذلك المجلس واتخيلوا كوكبة الأدباء والمفكرين والكُتّاب والشعراء الذين كانوا يعينوني في عملي وهم أساتذة أقمار في سماء الثقافة والآداب والفنون.. الراحل ب. "عون الشريف قاسم" والراحل الأستاذ الأديب "جعفر حامد البشير" وموالنا الراحل الشاعر "مصطفى طيب الأسماء" والقاص صاحب مجلة القصة الراحل "عثمان علي نور".. من حظي أن علاقتي بكل هؤلاء العظماء والله فرحتي بهم وهم على قيد الحياة لا تدانيها.. وعند رحيل كل واحد منهم يترك وشماً حزيناً في قلبي!! أمثال أساتذتي هؤلاء لو عاشوا في أي بلد غير هذا الوطن الجاحد لعظمائه كان أقاموا لهم الدنيا وما أقعدوها.. لكني أنا ما بنسى بإذن الله حتى نلحق بهم بدار الخلود.. محي الدين" تعرفه سموات الشعر العربي المعاصر ومنابره.. سافر إلى الدامر ليشارك في مهرجان أقامه الأبناء بمنظمة (عنادل الدامر) وعاد من من رحلته بجرح في أصبعه والرجل مصاب بالسكر.. وبدأت عملية البتر وعاش مبتور الرجلين لسنوات يحمد الله على ما ابتلاه به وصبر ونعم أجر الصابرين ونظم أشعاره الرائعة الأخيرة.. يرحمكم الله جميعاً.