ما يجمع بين حواء والسياسة .. هو أنهما يشقيان البشرية .. ويوردانها المهالك .. إلى يوم الدين ! رويدكم.. فهذا ليس حديثي .. بل هو حديث أحد أصدقائي .. ممن تعاطوا السياسة ردحا من الزمان، وغاصوا في عالم حواء بما تيسر من التجارب .. فخرج من كليهما وهو الطاووس المزهو برونقه .. ليصبح وقد بات مهدّما مهزوما جسدا وقلبا !! بصراحة .. أعرف أن السياسة والمرأة تملكان جاذبية طاغية .. ومن الصعب على من قادته السبل للاقتراب من هذين العالمين .. أن ينجو من مغناطيسهما طال الزمن أو قصر .. لكنني أفهم أن السياسة هي التي تورد البشر المهالك، وتقودهم إلى المعارك والمذابح، وتفني الزرع والضرع، وتذل أعزاء القوم .. وترفع من لا شأن لهم ولا جاه أو نفوذ، وفي ذلك من الأمثلة والنماذج ما يصعب حصره .. وما يستعصي عدّه . أما أن المرأة تورد البشر المهالك، فهذا ما يستوجب عرض الأدلة .. وجلب البراهين، ومهما قيل من أن المرأة هي المحرك الحقيقي لكل بؤر الصراع في الدنيا، فإن الأمر يكون دائما محل نظر، خصوصا وأن (عجوبة) وحدها في تاريخ السودان هي التي خربت سوبا، في حين أن بقية الخراب الذي حاق بالبلاد طوال تاريخها .. لم يكن إلا من صنع آدم !! أظن أن من أهم الأسباب التي تجعل حواء محل الاتهام، هو أنها دائما قوة ناعمة .. ينهزم أمامها أساطين الرجال، فلا يجدون أمام ذلك .. سوى إلصاق التهم الجائرة بها .. ولو كانوا ندّا قويا لها .. يعرفون مجاراتها والتباري الشريف معها .. لما اضطروا للالتفاف عليها .. ورميها بكل الجرائم ضد الإنسانية .. طمعا في محاكمة تاريخية غير عادلة .. يكون آدم فيها الخصم والحكم والجلاد ! في رأيي .. أن أقوى ما في حواء .. هو ذلك الغموض الذي يلف شخصيتها، ويجعلها كتابا غير مقروء لآدم .. مهما تجول في صفحاته .. وغاص بين سطوره، والسبب أن حواء تنشأ في كنف أسرتها .. وهي تملك خاصية فطرية في جيناتها .. تساعدها على بناء هالة الغموض .. بحيث يستعصي فهمها لا على آدم وحده .. بل على رصيفاتها من بنات حواء أيضا . من ذلك الغموض .. تمتلك حواء أول سلاح بدائي، لكنه فتاك، في كسب صراعها الذي أراده آدم وليست هي، ومن تلك الجزئية .. تبدأ حواء في بناء ترسانتها الجبارة .. والتي يكتشف آدم جبروتها وهو في غفلة من أمره .. فإذا شعر بسطوتها أمامه، وقوتها التي كان يظنها ضعفا .. تقهقر منهزما .. تاركا المجال للسانه وشائعاته وقوة صوته .. ليرميها بتهمة تسبيب الكوارث التي تحيق بالدنيا .. وبأن وراء كل مصيبة .. امرأة ! ثقتي كاملة بأن حواء لها قوتها الداخلية الكبيرة، وثقتي كاملة أيضا بأن لحواء مخالب ذات بأس، لكنها لحسن الحظ لا تحتاج إبرازها .. لأن معركتها مع آدم تنتهي دائما باندحار ذلك الليث، دون أدنى جهد منها. حواء هي الأقوى .. ومن الحكمة الإقرار بذلك .. بدلا من كيل التهم ضدها .. دون أدلة أو براهين !