الدنيا تتغير سريعا .. وبالأمس رأيت صورة شابة تبتسم وقد ازدان وجهها بشلوخ جذابة .. فشعرت بمقدار التغيرات التي تشهدها هذه الدنيا ! تصوروا أن تكون طالبة جامعية الآن (مشلخة) .. هل ستكون تلك الشلوخ علامة جمالية كما كانت منذ عقود، أم أنها ستكون تشويها للوجه الذي خلقه الله دون شلوخ .. مثلما كان مناوئو الشلوخ يروّجون في معركتهم التي كسبوها لاحقا ؟! مقاييس الجمال تتغير سريعا، فإذا كانت (المساير)، والضفاير، و(دق الشلوفة)، و(المشاط) .. عوامل جمالية تحرص عليها المرأة ذات زمان، فإن أبناء الجيل الحالي لن يلتفتوا لمن تحمل هذه السمات .. اللهم إلا من باب حب الاستطلاع .. والدهشة برؤية التراث الذي ساد ثم باد ! الجمال يعبر عن الأجيال، فالجسم الممتلئ للمرأة كان دليل عافية، وما زال البعض .. يبتلعون ريقهم حين رؤية المرأة الممتلئة دون ترهل .. رغم أن الرشاقة اكتسحت الذوق العام، وبات (الشحم) صفة تهرب منها الكثيرات .. وصار الغالبية من الرجال يفضلون الرشيقة دون هزال ! أولاد جيلنا كانوا يحتفون بالخنفسة، وهي ظاهرة ارتبطت بصرعة عالمية لم نسلم منها في ذلك الزمان، فأطلقنا العنان لشعر رؤوسنا، ونفشناه بالخلال الهدندوي الأصلي .. حتى صار زينة نتباهى بها كما الطواويس، وحتى بنات جيلنا .. كان يعجبهن شعرنا المتخنفس، ما زاد من حرصنا على ذلك الجنون .. دون شفقة على الحلاقين ودكاكينهم التي غطاها العنكبوت آنذاك ! لا اعرف إن كان شباب اليوم يحتفون بالثوب السوداني كما كنا نفعل، ولا أدري إن كانوا قد سمعوا بثوب (الشفون)، و(أب قجيجة)، وثوب (الكرب)، لكن ما أثق فيه .. أن لبس الفتيات اليوم يروق للذوق الحالي السائد وسط الشباب، مع قناعتي الشخصية بأن فتيات اليوم أنيقات وذوات أذواق عالية في متابعة خطوط الموضة .. وحريصات كسابقاتهن على الاحتشام، لكن الثوب يظل الأجمل .. خصوصا لدى المخضرمين من خبراء الاناقة وعارفي أسرارها !! حتى أدوات الأناقة .. وأنواع الدهون المرطبة للشعر والبشرة .. كلها اكتسحتها الموضات اللاحقة، فلم يعد (الكركار) الذي استعملته الأمهات غذاء عطريا للشعر، حيث حلت محله الكريمات الجديدة .. والمواد التي تحيل الشعر الخشن إلى جدائل منسابة، وتحولت الوسائل التقليدية في اكتساب النضار إلى وسائل كيماوية .. تقوم بتفتيح البشرة بشكل عدواني وخطير .. حتى بتنا لا نعرف اللون الحقيقي للبشرة .. بعد أن تلونت الأمور كلها .. وبات اللون الأسمر الأخاذ .. يأخذ طريقه تدريجيا إلى رفوف الأرشيف ! الدنيا تتغير سريعا، ومقاييس الجمال تتغير بذات السرعة، وما يعجب جيلا معينا .. ليس بالضرورة هو ما يعجب أجيالا أخرى، رغم أن بعض سمات الموضات القديمة تعود أحيانا، لكن عودتها تكون بلمسات إضافية .. وليس بشكل متطابق مع ما ساد حينا من الزمان ! الشلوخ باتت تتلاشى سريعا من مسرح الحياة .. ولم يعد أحد يحتفي بها .. أو يقول إنها من سمات الجمال .. اللهم إلا بقية باقية من أجيال عزيزة علينا .. ما زال لها حنين نابض لتلك الشلوخ .. وما زال في فؤادها احتفاء بأيام مضت .. ولن تعود إلا في أرشيف الذكريات !