{ لم يلتفت لهذا النبأ أحدٌ، وربما لا يجد اهتماماً حتى من المسؤولين في الدولة ولا الكتاب والصحافيين، وقد فقدنا جميعاً الإحساس بالخطر وتجمدت مشاعرنا وأصابها الجفاف والتصحر العاطفي، النبأ المفزع بثته الوكالات أمس الأول منسوباً للمتحدث باسم مفوضية شئون اللاجئين التابع للأمم المتحدة عن إصابة ألف وخمسين لاجئاً من شمال السودان يتواجدون في مخيمات بدولة جنوب السودان بمرض التهاب الكبد الوبائي القاتل، وأن (26) من اللاجئين حصدهم المرض الذي أخذ يتفشى في أوساط نحو (175) ألف لاجئ من شمال السودان (فروا) إلى هناك بسبب القتال الدائر في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. النبأ أعلنته المفوضية في مؤتمر صحفي بالعاصمة السويسرية (جنيف) من أجل الترويج الواسع لما يحدث في معسكرات اللاجئين الشماليين في السودان الجنوبي، ولفت أنظار العالم لمأساة طالت ولا تلوح في الأفق بوادر حل قريب لها، ولكن السؤال الذي يغمض المسؤولون أعينهم أمامه لماذا لجأ الشماليون في مناطق النزاع في جبال النوبة والنيل الأزرق لدولة الجنوب التي لا تملك مقومات الوفاء باستحقاقات مواطنيها دعك عن استقبال لاجئين وفارين من مناطق النزاعات؟ ولماذا اتجه اللاجئون من مناطق الحرب جنوباً لأول مرة في التاريخ، وقد كان النازحون من الجنوب نفسه يتوجهون نحو العاصمة الخرطوم ومدن الشمال فراراً من جحيم التمرد السابق حتى موعد اتفاق نيفاشا؟؟ { إن أية مأساة صحية وتفشٍّ لمرض التهاب الكبد الوبائي في أوساط اللاجئين لهو تطور مؤسف جداً وينبغي السعي لتدارك المرض لا لمجرد الخوف من انتشاره شمالاً وعبور حدود مفتوحة، ولكن أية معاناة ورهق وموت في أوساط اللاجئين الشماليين في دولة الجنوب له آثار سالبة على وحدة السودان الشمالي وتبعات خطيرة في المستقبل، واللاجئون الشماليون في دولة الجنوب يمثلون الوجه الجديد للاجئين الجنوبيين سابقاً في معسكرات (كاكوما) بكينيا ومخيمات الشمال اليوغندي، وبعد انتهاء الحرب ساهم اللاجئون في المهاجر لأسباب إنسانية وسياسية في فصل الجنوب وبث الكراهية والأحقاد نحو كل ما هو شمالي حتى حملوا الجنوبيين معصوبي الأعين للتصويت للانفصال. { اللاجئون الشماليون في دول الجوار سواءً في تشاد حيث الآلاف من الدارفوريين أو في جنوب السودان حيث الآلاف من النوبة وسكان النيل الأزرق يتعرضون يومياً لعمليات تعبئة سالبة ضد المركز والشمال السياسي، وتبلغ التعبئة أحياناً بث الكراهية العرقية والإثنية، وينشأ جيل جديد تفتح وعيه على الدنيا في تلك المعسكرات، وحينما يسأل عن وطنه يتم تغذية (عقله) بقصص الموت والرعب التي عاشها بسبب الحرب، وتتنامى المشاعر السالبة لأطفال صغار ويافعين ضد أبناء جلدتهم في الداخل بسبب الحرب وتبعاتها و(تقاصُر) النظر وتعامي الساسة عن مخاطر اللجوء ومخيمات البؤس، وما الأمراض التي تفتك بهؤلاء اللاجئين إلا واحدة من الأسباب التي ينبغي أن تدفع الجميع للبحث عن حلول حتى لا يتطاول أمد الحرب وتتضاعف الخسائر المادية والمعنوية وينشأ جيل جديد مشبع بالكراهية نحو المركز، وبكل أسف المركز لا يشعر بالخطر إلا بعد أن تشتعل النيران في ثيابه. نواصل