قال المنفلوطي: (من العجز أن يزدري المرء نفسه، فلا يقيم لها وزناً، وأن ينظر إلى من هو فوقه من الناس نظر الحيوان الأعجم إلى الحيوان الناطق، وعندي أن من يخطئ في تقدير قيمته مستعلياً، خير مِن مَن يخطئ في تقديرها متدنياً، فإن الرجل إذا صغرت نفسه في عين نفسه، يأبى لها من أعماله وأطواره إلا ما يماثل منزلته عنده، فتراه صغيراً في عمله وأدبه، صغيراً في مروءته وهمته، صغيراً في ميوله وأهوائه وفي جميع شؤونه وأعماله، فإن عظمت نفسه عظم بجانبها كل ما كان صغيراً في جانب النفس الصغيرة). من أسرار الشخصية الجاذبة للآخرين، القدرة على امتلاك قلوب الناس بالابتسامة الساحرة والتعامل الراقي السلس، وإن كانوا عدائيين لها، والقدرة على امتلاك مفاتيح قوة التأثير في الآخرين والتصرف بذكاء، إن من يتعلم كيفية التعامل مع الآخرين، حقق طريق سعادته الشخصية. بين الشكل والمضمون في الآونة الأخيرة جذبت الناس شخصيتان من نجوم المجتمع، هما الفنان الراحل "محمود عبد العزيز" والنجم الكروي "هيثم مصطفى" لما يتمتعان به من الجاذبية و(الكاريزما) ما حقق لهما جماهيرية عالية، لذا رأينا أن نسلط عليهما الضوء من خلال هذا الاستطلاع، لنرى رأي أهل الاختصاص: يقول الأستاذ الناقد "مصعب الصاوي"، إن الشخصية الجاذبة أو (الكاريزمية)، مزيج من عنصرين هما، الشكل والمضمون، فمن ناحية (الشكل) فإنه يرتبط بالجمال والملامح المألوفة والمريحة الموجودة في الإنسان، وهذا ما يسمى بالألفة عند السودانيين. أما (المضمون) فهو يتضمن مجموعة صفات تشكل (كاريزما) الشخصية المحددة، منها التواضع وحب الآخرين ومشاركتهم في الأحزان والأفراح والهموم، وهذه الصفات تحبب الناس وتقربهم زلفى إلى الشخص الذي يتصف بها. وأضاف "الصاوي": الشخصية (الكاريزمية) تتصف ب(قوة الحضور)، وهذا ليس مُرتبطاً بالمال ولا الجاه ولا المنصب، ولا الوضع الاجتماعي، بل هو أمر مغروس في دواخل الإنسان، ومضى قائلاً: هذه (الكاريزما) يستطيع من وهبه الله لها أن يسخرها في المجالات كافة، فيمكن للزعيم الديني أو القائد السياسي أن يستخدماها في القيادة أو الخطابة وإلهاب حماس الجماهير، كما يمكن للنجم في كرة القدم أو الفن أن يستقطب عبرها مزيداً من الجماهير. السيطرة على الآخرين واستطرد "الصاوي" مُفصلاً: بعض الإعلاميين يستخدمون (كاريزماهم) استخداماً مهنياً مثل "لاري كينج" الذي يستخدمها في الحوارات السياسية، و"فيصل القاسم" و"أحمد منصور" في قناة (الجزيرة)، كذلك "زينب البدوي" في (بي بي سي)، وهي أداة لجذب الضيوف والمشاهدين والسيطرة عليهم، وهي صفة يكتسبها الإنسان فطرياً وخبرة يطورها تدريبياً ومهنياً. كاريزما (الحوت) وجدلية (سيدا)!! يواصل الأستاذ "مصعب الصاوي": أما إذا ما تحدثنا عن (الكاريزما) لدى الدراميين فلا بد من الإشارة إلى الراحل "الفاضل سعيد" "مكي سنادة"، "محمد عبد الرحيم قرني" و"سمية عبد اللطيف"، أما بالنسبة للفنانين فهنالك "وردي" "محمد الأمين" "زيدان" "أحمد المصطفى" و"النور الجيلاني"، و"محمود عبد العزيز" الذي يتمتع بكاريزما فطرية عالية جداً، سخرها في مجاله على خشبة المسرح بحضوره الطاغي وتفاعله مع كل فئات المجتمع وخاصة (المعاقين). أما بالنسبة للاعبي كرة القدم، وفي حالة "هيثم مصطفى" مثلاً، فإنني اعتقد أنه لا يتمتع بشخصية جاذبة، ولا تنطبق عليه صفة الكاريزما، باعتباره شخصية جدلية وخلافية، بقدر ما يتمتع بها نظيره "فيصل العجب". كاريزما الحوارات الصحفية وفي الفضاء الإعلامي تظهر (الكاريزما) من خلال الحوارات الصحفية في قيمة الحوار نفسه وطريقة طرح الأسئلة، إضافة إلى الجانب الفطري للمحاور وإلحاحه في الموضوع، وامتلاكه المعلومات الكافية عن ضيفه، وطريقة تفكيره، فهنالك ضيوف ثرثارون ومراوغون، وهنالك من يتحدث منهم في مسائل هامشية ويترك لب الموضوع، وهناك من يستخدمك للترويج لنفسه، لذلك لابد أن تكون شخصية المحاوِر ذات كاريزما طاغية ومؤثرة. السياسي وكبير العائلة ومن جانبها عرَّفت الباحثة الاجتماعية والمهتمة بقضايا الأسرة الأستاذة "ثريا إبراهيم" الشخصية الجاذبة (الكاريزمية)، بأنها تلك التي تتوفر فيها مواصفات كثيرة جداًً منها القدرة على القيادة والحضور الاجتماعي والثقافي والإبداعي، والمبادرة والايجابية والجدية والقدرة على المساهمة والتأثير في المجتمع الذي حوله، بمعنى أن يكون لديها حس طوعي، وهي شخصية جامعة لكل التفاصيل. ومضت الأستاذة "ثريا" قائلة: توجد الشخصية الجاذبة في الريف والمدن، فمثلاً في الريف تتمظهر أكثر في كبير العائلة، وهذا وجوده طاغٍ بين أهله وأبنائه. أما في المدن فغالباً ما يتميز بها السياسيون والمفكرون ورجال الدين وغيرهم، كل في مجاله وهي في الغالب مرتبطة بالهم العام. وختمت قائلة: بالنسبة لشخصية الراحل الفنان "محمود عبد العزيز"، فهي تنطبق عليها صفات ومواصفات الشخصية الكاريزمية بكل تفاصيلها، ف"محمود" مدرسة جذبت إليها الناس عن طريق صفاته الإنسانية وتواضعه ونجوميته الطاغية، وارتباطه بالهم العام، وما يؤكد ذلك جماهيريته العالية، أما بالنسبة للاعب "هيثم مصطفى"، فربما تكمن كاريزميته في أسلوب لعبه.