بعد الجراد .. هاهي الفئران تكشر عن أنيابها، وتهاجم وفقا لتقرير المجهر السياسي أمس سبع قرى بشرق الجزيرة ! الجزيرة الجميلة بأناسها، المتميزة بتنوع أعراقها، وأصالة قاطنيها، هذه البقعة التي ظلت توفر للسودان طوال عهوده الدولارات المقنطرة، دون انتظار لبترول أصابتنا لعنته قبل تبخره اللاحق، فكان طامة لم نجن منها سوى الانقسامات، والحروبات، والفتن .. ما ظهر منها وما بطن ! تلك الجزيرة .. لم يكن جزاؤها من الحكومات إلا الجحود، حتى نزلت السلطات أخيرا بمعاولها هدما للمشروع العملاق . وظلت الجزيرة تعيش كمعظم مناطق السودان حالة من الفاقة .. والشح في النماء، رغم أنها كانت الأحق بذلك النماء .. على الأقل لما حقنته في أوردة السودان من موارد مالية .. كانت هي الركيزة والعماد في تماسك الوطن طوال عقود من الزمان . تكالبت المصائب على الجزيرة، وجفت الترع التي كانت ترفد الحياة والنماء، وقفرت الحواشات من اليد العاملة، ويبس الزرع والضرع، وتحولت القرى إلى مناطق شديدة الطرد لسواعد الشباب، لتتواصل المآسي .. ولنصل إلى الطامة .. بتحول الأرض الثمينة .. لمراتع تعمرها الفئران .. وتقضي على ما تبقى من أخضر ويابس فيها ! زميلنا الأستاذ وائل بلال، المحرر العام في هذه الصحيفة، والذي كتب التقريرالمصور والمقروء أمس، قال إن الفئران الجامحة غزت سبع قرى بشرق الجزيرة، وتسببت في كارثة بيئية خطيرة جراء (قتلاها) في الغزو، وأن الفئران ظلت تأكل كل ما تجده أمامها .. حتى الأحذية والملبوسات وخراطيم الغاز !! لكن المصيبة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أشار الخبر كذلك إلى أن الأهالي قالوا إن السلطات المحلية وزعت عليهم مبيداً للفئران، ليكتشف القوم عند الاستعمال أنه منتهي الصلاحية .. شأن كل شيء بالسودان في عهده الميمون ! أحد الأصدقاء من المقيمين في الجزيرة، لفت نظري أمس للتقرير، ورغم أنه مقيم في قرية ما زالت بمنأى عن جيوش الغزو الفئراني الزاحف حتى الآن، لكنه ذكر لي مأساة أخرى عاشها مؤخرا، وهي أنه قام بتربية كميات من الحمام، وكان ينتظر أن يستمتع باستثماره بعد أن بذل له الغالي والنفيس، فإذا بالقطط الانتهازية تتكاثر في القرية، وتهاجم الحمام من كل الجبهات، وتحيل الصفائح العامرة إلى مواقع خالية من الهديل الجميل ! ولأن المصائب تولد الإبداع، اقترح صديقي، واسمه (علي)، أن تقوم الولاية بشراء انتاجهم من القطط السمينة النهمة لالتهام أي شيء، ونقلها إلى مناطق الإنتاج الفئراني، لتتولى القطط تنفيذ ما فشلت فيه المبيدات (المضروبة) .. فلا يفل الحديد إلا الحديد !! أظن أن الاقتراح عملي وجريء، وحتى إذا تعذر توفير المبالغ لشراء تلك القطط، فلا بأس من الوساطة والأجاويد لتكون الأسعار زهيدة ورمزية، بل وأقل بكثير من تلك الأسعار التي أهدرت في شراء المبيدات المنتهية الصلاحية .. والتي لم تزد الفئران إلا فجورا! غزو الفئران ارتبط بمشروع قائم .. لكن الظروف أحالته لبؤرة تتوزع منها أسراب البعوض والأفاعي والفئران على القرى المجاورة .. لتتحول الآمال إلى آلام، وليدفع الناس وحدهم الأثمان الفادحة من راحتهم وصحتهم وحياتهم ! عالجوا الأمر من جذوره، وإلا فعليكم باقتراح صديقي (علي)، وترك الأمر للقطط .. فهي كفيلة به !