حاولت بكل جهدي وأنا امسك بأزرار (الكي بورد) للكتابة في هذا الصباح أن أخرج نفسي من دائرة الانفعال والتفاعل مع قذيفة حذاء (منتظر الزيدي) في وجهة العنجهية والاستبداد لاكتب عن موضوع آخر .. فلم استطيع، استوعبني الحدث فصرت (أنا مفتون من رأسي حتى قدمي) .. استبدت بي حالة مستعصية من الافتتان دفعتني دفعا نحو فهم جديد لنظرية (الراجل جزمة) لم املك ازائها سوى الاستسلام، فجلست لاكتب خواطري عن (الجزمة) بعد أن تركت التلفاز مفتوحا أمامي على قناة البغدادية لاتابع الحملة التي تقودها القناة لمناصرة مراسلها الذي ادخل نفسه وحذائه والقناة ذاتا على طريقة جحا إلى جنة التاريخ. 0 أول ما خطر على بالي من ملاحظات عقب مشاهدة الحادثة، هو أن (منتظر الزيدي) كان (مالص فردتين الجزمة وخاتيهم قدامو) وذلك من سرعة تناوله لهما واحدة بعد الأخرى دون الانتظار مسافة تتيح له أن يقوم بالمعافرة لخلع الفردة التانية بعد قذفه للأولى .. 0 عندما كان شقيقي الاصغر صغير تعرض للعض من رفيق لعبه، حيث قام ذلك الصديق بعضه في بطنه عضة اسالت منها الدم، واستدعت حضور والدة ذلك الصديق لأمي كي تعتذر عن تصرف ابنها بحجة ان (بطنو حارة) ولا يستطيع تمالك نفسه عند الغضب .. فكانت النكتة عندما سئل شقيقي عن السبب الذي دعى فلان لان يعضه، فاعتذر عن صديقه بأنه: مسكين .. عضاني عشان بطنو حامضة ! ذكرتني واقعة قذف الفردتين واحدة بعد الثانية، بقصة شقيقي مع صديقه فقد أوحت لي بأن صاحبنا (منتظر) ده (بطنو حارة) ومغيوظ شديد .. فقذف فردة واحدة كانت كافية لتوصيل وجهة نظره وادخاله سجل الخالدين من المجاهدين، ولكن اصراره على ارسال الثانية تأكد على بطنه الحامضة وعلى حالة كونه (ممكون شديد) من بوش والامريكان! 0 لفتت نظري قوة ساعد (منتظر)، فالمسافة التي قطعها الحذاء من موقع جلوسه ضمن صفوف المراسلين والصحفيين إلى المنصة، كانت مسافة بعيدة مما يدل على شيئين .. انه يمتلك قوة ملحوظة ومقدرة على الرمي، ولعله كان يمارس رياضة رمي (الجلة) أو القرص، تلك القوة تصاحبها مهارة في (التنشين) التصويب من بعيد، حيث سلك الحذاء طريقه في الجو مباشرة – رغم بعد المسافة بينهم - إلى رأس الرئيس الامريكي شبه السابق. 0 يقابل تلك البراعة في الرمي مقدرة فطرية من (بوش) على الزوغان .. واضح انو كان حريف في لعبة (الكمبّلت) التي كنا نلعبها صغارا، حيث يجتهد فيها اللاعبون تجنب الاصابة بضربة الكرة التي يلقيها عليهم لاعبي الفريق المنافس اثناء سعيهم ل رص الطوب وتكويم التراب على رأسه قبل اطلاق صيحة النصر (كمبّلت .. الجوع كتلا) .. واضح انو (بوش) ده كان لعبنجي خطير! 0 ظلم حذاء (منتظر الزيدي) من ربط بينه وبين شهرة احذية أخرى دخلت التاريخ قبله، فاحذية ايميلدا الكثيرة كانت فشخرة وشوفونية نسوان، و حذاء الطنبوري كان رمز لل سيك سيك معلق فيك حيث لامهرب من حذائك إلا إليه، وحتى حادثة رفع (خورتشوف) حذائه والضرب به على طاولة الاممالمتحدة، لا يشبه من قريب أو بعيد المفهوم الذي اراد (منتظر) ايصاله للعالم بتصرفه .. فحركة (خوربتشوف) كانت من باب الحقارة والاحتقار وتقليل شأن الآخرين، وقد اساءت إليه بأكثر مما اراد هو أن يسئ بها لربة الامبريالية وحلفائها برفع حذائه أمام وجوههم، ولكن ضربة حذاء (منتظر) كانت كناية عن رفضه للاستعمار الامريكي بالمقاومة (شبة السلمية) وان استعمل فيها سلاح التعبير عن وجهة النظر (بالجزمة). 0 تعود المعارضون للحكومات والحكام على التعبير عن رفضهم بالقاء الطمام والبيض الفاسد على من يعارضونهم، ولكن يظل القذف بالجزم اقوى اسلحة التعبير، ولا يقاربها تاريخيا – وان اختلف عنها في المضمون - سوى قبقاب (أم علي) زوجة (عز الدين ايبك) الأولى، التي امرت خادماتها أن يضربن به ضرتها (شجرة الدر) حتى الموت .. فقد كان دافعها هو الانتقام من ضرتها على غدرها بزوجهما (ايبك) بعد أن قتلته (شجرة الدر) غيلة وغدرا، ولكن ضرب جزمة (منتظر) كانت من باب المجاهدة ولو باضعف الايمان . 0 من الغريب أن تحدث (لبعة جزمة) مثل هذا التأثير الذي فعل فعل السحر في نفوس العرب والمسلمين والمستضعفين في انحاء المعمورة .. فبعد حالة اليأس والقنوط من خيرا تأتي به الأيام يكون فيه صلاح أمر الأمة المغلوبة على أمرها، إذا بالفرحة ومظاهرات التأييد تعم الارجاء وتتسارع الخطى نحو تكوين الجمعيات لمناصرة المجاهد السجين .. لقد احيت تلك القذيفتين جزوة نار لطالما طمرت بالاحباط .. لله درك يا ابن الزيدي لقد شفيت صدور قوما مؤمنين. لطائف - صحيفة حكايات [email protected]