أقبل الليل الرمضاني الصاخب.. حملت السماء حبيبات الماء المتكاثفة وأنا أرهف السمع لهذه الكلمات المؤثرة، والموسيقى تهز أوصالي وتلمس وتراً غائراً في الاعماق البعيدة، وصوت الفنان يتهادى على عصب حزني الدفين..(والله وحَّدوا بينا .. البارحونا وراحوا) وتتكاثف الدموع على أقطار عيني.. وتزامن سقوط المطر لتبكي السماء والدواخل.. أبحث عن ما يلهني عن تدافع استمرار هذه الثنائية الاستثنائية التي يندر اجتماع شتيتيها.. إنه الماضي والحنين.. البكاء من أجل المستقبل، العدم مع العشم.. لا استطيع تمديد حدود فواصل الماضي.. العام السابق .. العامين.. الثلاثة .. منذ الطفولة ولكن هناك من برحوا وتركوا الفراغ الذي تستدعيه مثل هذه اللحظات المتفردة.. كل المكان يمارس البكاء ويؤازر حالتي.. حتى سقوف المنزل تتقطر ماءً وتخلق فوضى المشاعر المطَّربة.. ويحملني الوضع على النحيب.. وصدري يتعالى بزخم امتلائه واحتشاده بمفردات قلة الحيلة والشلل اللحظي التام.. ولساني تصيبه حالة ثرثرة صامتة كأنه دخل إلى الجوف وابتلعته الدواخل أو أصابه الارتجاف الاهتزازي .. عبر تلك الثقوب على السقف أمارس الرجاء والابتهال والنظر الى أعلى واطلب النجدة.. كلما تحدث المطر بصوت مسموع،، سرى تيار زائد إلى سبر الأغوار المتجذرة .. أهفو إلى حالة السكون والراحة ولكن المحيط لا يحمل على بلوغ تلك الذروة.. وألحظهم حولي يحملون هم إخراج الماء المتجمع على الأرضيات.. ويتحدثون عن توقعات الطقس وأنا معهم ولست معهم.. الجزء الواعي فؤاد وعقل وواقعية يزاملهم.. بينما يسدر كل المتبقي حسياً ومعنوياً إلى هناك.. حيث لا زمن بعينه.. خليط من الأماكن والاحداث والمشاعر المتباينة المتوافقة.. ما أصعب مثل اللحظات الماثلة الآن.. كيف أخرج من حالة اللا وعي بالواقع إلى التلبس الفعلي لما يدور حولي.. لحظات تجلي مخلوطة بكل أسباب الحياة يلفها دثار الحزن والأسى، ويعود بي ذلك الصوت المترنم مرة من بعد أخرى.. لآخذ الركن القصي موقعاً أداري فيه بعض ما يعتلج في الدواخل.. من حنين نقي لاناس انقياء برحوا اماكنهم قسراً أو طوعاً لا أذكر.. ولكنهم برحو وراحوا آخذين معهم بهجة الوادي وأفراحه. آخر الكلام: أما أصعب اجتماع وتدافع الأحاسيس في حالة جو تجعلك مشلولاً ومهزوزاً امام سيولها وفيضاناتها القادمة سياج - آخر لحظة الاثنين 31/08/2009 العدد 1104 [email protected]