أواصل أداء دوري كفاعل خير، وأقدم النصح لبريطانيا كي تتغلب على بعض أوجه القصور في طريقة تسييرها لأمورها مسترشدا بالتجارب العربية، التي أثبتت أن عدم الاهتمام بالتخطيط يطيل عمر الحكومات ويزيد حجم الكروش، ويقوي الحبال الصوتية عند الضحك، ويجعل الرئة أكثر قوة من فرط تكرار شفط الشيشة عبر بايب لاين، وقد لاحظت أنه على الرغم من ولع البريطانيين الشديد بالتخطيط و«عمل حساب» لكل شيء، فإنهم يرتكبون حماقات جماعية تتعارض تماماً وفكرة التخطيط... خذ مثلاً مليارات الجنيهات التي يضيّعونها سنويا بحجة الترفيه خلال الإجازات: ما معنى أن يزور الواحد منهم فرنسا هذه السنة، ثم ألمانيا السنة التالية، فهذه تشبه تلك وكلتاهما تشبه بريطانيا وثلاثتهن يعانين المناخ السخيف نفسه: قطبي شتاءً، واستوائي صيفاً، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الهيمنة الأوروبية امتدت لتشمل الجغرافيا بكل تفاصيلها، فحتى الطقس كوشوا عليه... ومصيبة هذه الشعوب أنها تضيّع أموالها في «كلام فارغ»: ما معنى وما قيمة أن يتسلق الإنسان جبلاً؟ أذكر أن كاميرات التلفيزيون في بريطانيا ظلت مسلطة طوال شهر كامل على سيدة تسلقت جبل إيفرست من دون أن تحمل معها أسطوانة أوكسجين؟ عندما رأيتها تقدم على تلك الحماقة تساءلت: هذه الولية ما عندها «ولي»؟ وبدلاً من إلقاء القبض عليها بتهمة الشروع في الانتحار، قوبلت هذه السيدة بالحفاوة والتكريم، وبدلاً من أن يطلقها زوجها، كان العبيط في طليعة مستقبليها.. وإذا كان هناك ما يستوجب الصعود إلى قمة جبل إيفرست أو أي جبل آخر فلماذا لا يتم ذلك بالنزول على القمة من طائرة هليكوبتر؟ والأدهى من كل ذلك أن البريطانيين يهجرون بلدهم في الصيف للتمدد في سواحل البحار في بلدان أخرى، مع أن بلدهم جزيرة.. يعني محاطة بالمياه من 360 جانباً، شواطئ بريطانيا الغربية تطل على المحيط الأطلسي، ولكن لا يحلو لهم التمدد على رمال الأطلسي إلا بعد دخول الأراضي الأمريكية، ثم يعبرون القنال «الإنجليزي»!!! إلى فرنسا للانبطاح على ساحل هذا القنال نفسه!! ومازلت إلى يومنا هذا لا أفهم كيف تسنى لهؤلاء أن يكونوا سادة البحار، وأن يحكموها ويتحكّموا فينا، وأن يكتشفوا ويخترعوا مختلف «البلاوي» التي نستوردها منهم ... لا أفهم أن يفعلوا كل ذلك على الرغم من «قلة العقل» التي تدل عليها الأمثلة الواردة أعلاه؟ وبالمقابل فالجبال عندنا ظلت عذراء منذ أن فطر الله السموات والأرض. لا تطأها قدم بشر، إلا إذا كان هذا البشر رجلاً أو امرأة من المعتوهين البيض الذين لا يرون كهفاً إلا فكروا في دخوله، نقول لهم: هذا الكهف «مسكون» وبه من الجن نصف مليون، ولكن لا فائدة، فقد ابتلاهم الله بنوع غريب من الفضول و«حشر الأنوف». مغارة جعيتا في لبنان ظلت في الحال التي كانت عليها طوال ملايين السنين إلى أن جاء رجل أمريكي معتوه و«اكتشفها» خلال القرن الماضي، فلما بدأت الحرب الأهلية في لبنان أصبحت المغارة مستودعاً للذخائر، وبعد الحرب كان لابد من «تطهير» المغارة من الألغام، واستوجب ذلك بالضرورة نسف أجزاء منها،.. وهكذا جنى ذلك الأمريكي المعتوه على المغارة، فلو لم يجره فضوله إلى تجاويفها لظلت على الحال الذي كانت عليه منذ ما بعد طوفان نوح. قد يقول البعض إن فضول ذلك الأمريكي عاد بالفائدة على لبنان لأن السياح تدفقوا عليه لرؤية المغارة حاملين معهم عملات «محترمة» من ذلك النوع الذي تراق في سبيله مياه الوجوه، وقد يكون هذا صحيحاً، ولكنني لست معنياً هنا بمصلحة لبنان، بل بتقديم النصح للشعب البريطاني «الشقيق»...! فما الفائدة من زيارة مغارة جعيتا أو الأهرامات أو قصور غرناطة؟ أقصد ما معنى إنفاق المبالغ الطائلة لرؤية أي شيء على نحو عابر؟ هل حدث مكروه للذين لم يزوروا تلك الأشياء؟ ثم ان هذه المزارات السياحية والتاريخية موجودة في السينما وأشرطة الفيديو، فلماذا يتكبد هؤلاء القوم المشاق والنفقات الباهظة لرؤيتها بالعين المجردة؟ [email protected]