لا فاش ِكيري ..!! بسذاجة شديدة (تحسد عليها) وقعت الحكومة فى الفخ الذي نصبته لها- بذكاء كبير- الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ لجرها لاحتلال منطقة أبيي، وخرق اتفاقية السلام الشامل والظهور بمظهر (دراكيولا) ذلك المخلوق الدموي البشع الذي لا يشبع من سفك الدماء وقتل وتشريد الأبرياء، و(الفوز) بإدانة كل دول العالم وأجهزته الأممية (وما خفي أعظم).. وذلك بالهجوم المحدود الذي نفذته مجموعة صغيرة من قوات الحركة على قافلة تضم سرية من القوات المسلحة السودانية (من الوحدات المشتركة)، وبعض قوات الأممالمتحدة المرافقة لها لحمايتها ..!! * وكأن الحكومة لم تصدق أن تتيح لها الحركة الشعبية تلك الفرصة العظيمة لإثبات سذاجتها، فما هي إلا بضع ساعات قليلة حتى أصدرت أوامرها للقوات المسلحة باحتلال منطقة أبيي بكاملها، وخرق اتفاقية السلام الشامل.. وفي حساباتها المختلة الساذجة، أن العالم سيصفق لها باعتبار أنها وقعت ضحية العدوان الغاشم، ومن حقها أن ترد، بالإضافة إلى أنها قامت (مشكورة) بحماية قوات الأممالمتحدة من اعتداء قوات الحركة الشعبية المعتدية الغادرة التي بادرت بالانسحاب السريع من أرض المعركة؛ بل من أبيي بأكملها؛ وتركتها لقمة سائغة للحكومة السودانية التى التهمتها بشراهة كبيرة، كأي فأر جائع يشتم رائحة (قطعة جبن) فيقوم بابتلاعها بسرعة كبيرة بدون ان يعطي نفسه أية فرصة للتفكير في سبب وجودها فى ذلك المكان والزمان أو نوعها او حتى صلاحيتها للاستهلاك الفأري .. وما هي إلا بضع لحظات حتى يكتشف الفخ الذي وقع فيه، وأن قطعة الجبن التى التهمها ما هي إلا آخر وجبة له فى حياته، فيأخذ بالقفز الى أعلى والصراخ .. ولكن بماذا يفيد القفز والصراخ داخل الفخ المحكم ؟! * هذا هو الموقف بالضبط الذى وجدت فيه الحكومة نفسها عندما تعجلت باحتلال أبيي، وها هي كل دول العالم والأجهزة الأممية تدينها وتطالبها بالانسحاب الفوري غير المشروط، وتهددها باتخاذ اجراءات صارمة ضدها إن لم تفعل، بينما هي لا تجد ما تفعله إلا الصراخ، فتارة تقول إنها لن تنسحب إلا وفق ترتيبات أمنية جديدة (أي باتفاق جديد يجب كل ما قبله من اتفاقيات، وعلى رأسها اتفاقية السلام الشامل)، وتارة تصيح بأنها لن تنسحب إلا بضمانات من الحركة والوسطاء، وتارة ثالثة تصرح بأنها لن تنسحب أبدا ..إلخ، ولا يعرف أحد حتى هي نفسها، ماذا ستفعل غدا، ويا خوف فؤادي من غد .. على رأي شاعرنا الكبير في رائعته التى صدحت بها كوكب الشرق..(.أغدا ألقاك)، مع الفارق الكبير بين الموقفين والحالتين والأشخاص ..!! * كل ذلك بينما الحركة الشعبية لتحرير السودان تتفرج من بعيد؛ باستمتاع شديد على الفأر وهو يقفز فى الهواء بلا هدى، ويصرخ بأعلى صوته ولا يدري ماذا يفعل بعد ان ابتلع بسذاجة كبيرة الطعم اللذيذ ( أبيي كيري) الذي وضعته له داخل المصيدة ..!! مناظير زهير السراج [email protected] جريدة الأخبار، 26 مايو 2003