عكف روبن دنبار أستاذ علم النفس في جامعة أكسفورد على دراسة حالات 17 شابا وشابة، كان كل واحد منهم في حالة حب قوي وعنيف، بعد إخضاع أمخاخهم للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظائفي fMRI، وأثناء التصوير عرضوا على كل واحد من ال17 عاشقا صور ثلاثة من الأصدقاء ثم صورة الحبيب/ الحبيبة، وكانت المفاجأة أنه ما أن رأى الواحد منهم صورة المحبوب حتى توقفت أجزاء من الفص الأمامي من الدماغ عنده/ها عن العمل، وهذا الفص هو المسؤول عن العمل العقلاني ذي العيار الثقيل، بينما نشطت فصوص الدماغ التي تجعل الفسيخ شربات، ولم تتوقف أبحاث بروفسر دنبار عند هذا الحد، فقد قام بتحليل سجل المكالمات الهاتفية بين المحبين، واتضح له ان الرجل هو الأكثر اتصالا هاتفيا بالمرأة التي يحبها خلال السنوات السبع الأولى من العلاقة أكثر من أي شخص آخر يعرفه، في حين أن المرأة تظل طوال ال14 سنة الأولى من العلاقة تتصل بالمحبوب أكثر من غيره من الناس (وهذا دليل إضافي إلى أمر مفروغ منه وهو أن المرأة أكثر وفاء ورومانسية من الرجل). والشاهد هو أن الحب القوي يجعلك عاجزا عن رؤية عيوب المحبوب، ولهذا تجد شابا متيما بفتاة يقول عنها أقاربه وأصدقاؤه إنها قبيحة الشكل والخصال والفعال أو بلهاء أو وقحة، أو فتاة تهيم بحب شاب يقول عنه كل من يعرفه إن عينه زائغة وأنه رخم ولطخ وكسول وقيحة ويتعاطى مبطلات العقل، ويكون رد المحب في الحالتين: بموت فيها/ فيه، ولهذا فالحب في حد ذاته ليس أعمى، بل يعطل بعض المدارك، وربما هذا ما عناه الشاعر بقوله: وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. ولهذا تجد معظم الآباء والأمهات يتباهون بأن عيالهم - ما شاء الله عليهم - متفوقون ومؤدبون ومهذبون (طيب من أين أتت جيوش الصائعين والصائعات الذين نراهم في الأماكن العامة وبعضهم مخه خارج الشبكة؟).. المهم أن زواجا يقوم على منطق «بموت فيه/ فيها» متغاضيا عن عيوب صارخة في الطرف الذي يتم «الموت فيه»، هو نفس منطق «بموت في الفسيخ» فالإكثار من أكل الفسيخ يسبب تشكيلة من أمراض الجهاز الهضمي والدورة الدموية وصولا إلى ارتفاع حاد في ضغط الدم الشرياني المسمى القاتل الصامت، وأنت تموت فيه وهو يميتك (بالبلدي يموتك). ولكن وقائع الحياة والدراسات العلمية تؤكد من جهة أخرى أن من يخضعون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر للحساب بالسنتي والسي سي، لا يفلحون أبدا في الدخول في علاقات عاطفية، لأن الحب الحقيقي يتطلب درجة من التسامح والتغاضي عن بعض عيوب المحبوب، لأنه ما من إنسان كامل، ولكن بشرط أن يكون المحب مدركا لتلك العيوب وعازما على حث الطرف الآخر على التغلب عليها أو عازما على الاستمرار في التغاضي عنها، وآفة الحب الغبي في تقديري هي أن يكون قائما على الانبهار بالشكل والمظهر، فيكون كل ما يهم الشاب في محبوبته أنها جميلة وفاتنة وفتاكة وشيك و«هيب»، وما يهم الفتاة في الحبيب أنه شديد الوسامة والأناقة و«عصري»، فجمال الشكل والمظهر أمران أساسيان في اختيار المحبوب وشريك الحياة، ولكنهما في غياب الجمال الجواني يصبحان مجرد زبد يذهب جفاء... شوف بنفسك كم من الأثرياء الوجهاء انبهروا بحسناوات الطرب والتمثيل وتزوجوا بهن وأقاموا حفلات تناقلت وقائعها الركبان، وأتحداك أن تذكر لي زيجة واحدة من تلك الزيجات صمدت أكثر من ثلاث سنوات. جعفر عباس [email protected]