مساء أمس الأول الاثنين، كنت أتابع مثلي مثل الملايين في أرجاء الأرض، جوائز الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» السنوية من «زيورخ» في سويسرا، وسعدت لفوز البرتغالي «رونالدو» بجائزة أفضل لاعب كرة قدم في العالم، لكن سعادتي- للحقيقة- كانت أكبر بفوز أسطورة كرة القدم البرازيلي، الجائزة الخاصة، وهي الكرة الذهبية الشرفية، على مجمل إنجازاته في الميادين الخضراء، ومساهمته المباشرة في فوز بلاده بكأس العالم ثلاث مرات، ولم يسعد الحظ الجائزة آنذاك لأن تتشرف بالانتساب إلى هذا اللاعب الأسطوري، لأنها كانت لا تخرج عن حدود أوربا. دموع بيليه، كانت أبلغ من أي كلمة شكر، أو تقدير، أو «تعبير»، وكلمته القصيرة كانت عميقة ومؤثرة، خاصة للذين شاهدوه في الميادين وكان بطلهم وحلمهم ومثلهم الكروي الأعلى، ليس في البرازيل وحدها، بل في كل الدنيا، التي نحن جزء منها، ومنا من شهد «الملك» يلعب أمام عينيه مباشرة في استاد الهلال، في المباراة الودية التي جمعت بين فريق سانتوس البرازيلي الأشهر الذي لعب له «بيليه» لنحو ربع قرن، وبين فريق الهلال العريق، في فبراير من العام 1973م، وكنت أحد الذين شهدوا تلك المباراة التاريخية، بل وتوجهت إلى الأستاد منذ الثانية ظهراً، مع عدد من أبناء الحي و الأصدقاء، هدفنا الأول مشاهدة «الملك» يلعب، ثم الاستمتاع بالمعزوفة الكروية المتوقعة في مثل مباراة كتلك التي ما كنا نحلم بها، والتي جاءت نتيجتها فوز «سانتوس» البرازيلي على «الهلال» السوداني بهدف دون مقابل، وكان كابتن «الهلال» آنذاك لاعبنا الأسطورة نصر الدين عباس جكسا، بينما كان كابتن «سانتوس» وقتها اللاعب «كارلوس البرتو». أعجبتني كلمة «بيليه» عقب الإعلان عن فوزه بجائزة الكرة الذهبية الشرفية، فقد قال إنه يشكر الله أولاً، على ما تحقق، ثم زملاءه الذين استحقوا أن يكونوا شركاء معه في هذه الجائزة، وعادت بي الذاكرة إلى يوم الثلاثاء الثالث عشر من فبراير 1973م، ذلك اليوم الذي شاهدنا فيه نجوم البرازيل بأعيننا وهم يقدمون أروع الفنون الكروية والمهارات العالية أمام الشعب السوداني، الذي كان منتشياً مع البرازيليين الذين فازوا بكأس العالم في العام 1970م. كلمة «بيليه» القصيرة، ودموعه الغزيرة، وصوته المتهدج، وشكره لله سبحانه وتعالى، أكدت على عظمة هذا اللاعب الذي لم يغتر، ولم يمشِ في الأرض مرحاً، ولم يرد لأحد أن يعامله كنصف إله، كما يريد بعض النجوم الأوربيين، كأنما هم من طينة غير طينة البشر، ليس في مجال كرة القدم وحدها، بل في كل المجالات التي يمنح التألق فيها بريقاً يخطف الأبصار. رغم دموعه الحارة، فإن الملك بيليه سعيد، ليس في ذلك شك، والبرازيل شعباً وحكومة سعيدة، وكل محبي وعشاق كرة القدم في أنحاء العالم سعداء، ونحن في السودان أيضاً، لكن أسعد من في السودان، هم الذين أحبوا الملك وتابعوه، وشهدوا طلته الآسرة في الميدان الأخضر، الذي قيد حركته فيه «شواطين» ليمنع عن الهلال وابلاً من الأهداف، كان يمكن أن يحرزها اللاعب الأسطورة الذي استحق الجائزة بالأمس. التحية لبيليه، ولفريق سانتوس، والتحية لهلال 1973م والتحية لروح الراحل المقيم المهندس عبد الله السماني، سكرتير عام نادي الهلال الذي كان وراء الفكرة والتنفيذ.. وأسعد الملايين.. نسأل الله له الرحمة والمغفرة، وأن يكون من أهل الجنان بإذنه تعالى. بعد ومسافة - آخر لحظة [email protected]