محاولة جبر كسر الإسلاميين الآن تتحدى رصيدا هائلا من النظريات السياسية والخبرات الإنسانية والحكم والمأثورات التي قد يلخصها بيت الشعر: إن القلوبَ إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يجبر لكن شاعر القصيدة نفسه ومنعا للإقرار باستحالة جبر الكسر يقول في موضع آخر منها: واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجُوعها بعد التنافر يصعب البشير والترابي، لقاء الجبر لكسر متشعب ومركب.. ليس كسرا شخصيا بينهما أكثر من كونه كسرا سياسيا بين جزأين من أصل واحد ونبتة فكرية واحدة.. لقاء مرعب بحق وحقيقة للكثيرين من الناحية السياسية وتوجه استراتيجي بالغ الذكاء من الطرفين. وكان أول تعبير عن الرعب الذي يحدثه هذا اللقاء هو تصريح الإمام الصادق المهدي ذلك التصريح المتوجس صراحة وبشكل مباشر من أن يتسبب لقاء البشير والترابي في عودة الإنقاذ إلى المربع الأول.. الجراحة فعلا خطيرة لكن احتمالات نجاح عمليات جراحة العظام في العالم أصبحت احتمالات كبيرة كما أن معالجة كسر الزجاج هي الآخرى صارت سهلة يسيرة ما يجعل تلك القصيدة المنسوبة لصالح عبد القدوس (إن القلوب) الآن غير بليغة المعنى والتشبيه. لقد كنت على يقين ومنذ أن تحدثت دوائر المؤتمر الوطني عن مفاجأة قادمة في خطاب رئيس الجمهورية أن تعبير المفاجأة نفسه كان إحساسا حقيقيا عند المؤتمر الوطني بعد أن أخذ الضوء الأخضر من الترابي ولأول مرة في إمكانية التقارب، وكان ذلك الضوء الأخضر قبل خطاب الرئيس لكن المؤتمر الوطني الذي يشعر بوجود مفاجأة لم يكن بمقدوره الإفصاح عن إحساسه هذا صراحة حتى لا يوصف بأنه الأكثر احتفاء بابتسامة الترابي وضوئه الأخضر.. كنت على يقين بذلك وعلى يقين أيضا بأن المؤتمر الوطني وحتى هذه اللحظة يتعامل بحذر مع التعبير عن إحساسه بهذا التقارب، وقد كان هذا ظاهرا في جميع اللقطات التي تم نشرها أمس بعد اللقاء حيث كان الترابي أكثر احتفاء باللقاء بينما ظهر البشير بابتسامات محايدة وتعابير وجه متوازنة وعادية لا تخلو من الترحيب لكنها تبتعد عن معاني التطرف في الابتهاج والفرح.. ولكم أن تعيدوا النظر في تلك اللقطات المنشورة. هذا اللقاء الذي تم أمس الأول بين البشير والترابي هو لقاء استراتيجي بالنسبة للإسلاميين يعيد الأمل في إنقاذ حزب الإسلاميين في السودان بعد أن كاد يلحق بمصير الطائرة الماليزية المفقودة منذ أيام والتي لا يعرف العالم بكل قدراته العلمية والتقنية سبيلا للوصول إليها ومعرفة مصيرها حتى لحظة كتابة هذا المقال. هذا اللقاء وبقدر ما فيه من بشريات للإسلاميين لكنه بالنسبة لبعض قيادات الإسلاميين الحاكمين من المستوى الوسيط يهدد أوضاعهم بالمزاحمة الحتمية على المقاعد والمساند وفراش بيت السلطة..!! وهذا اللقاء الذي ينقذ الإسلاميين من مصير الطائرة الماليزية يشوش رادارات القوى السياسية الأخرى التي تنتظر من أبراج المراقبة إشارات الهبوط على المدرجات.. جنة الشوك - صحيفة اليوم التالي