الجنيه او العملة المحلية لم تعد مفردة او مؤشرا اقتصاديا فقط إنما أصبح رمزا من رموز السيادة وهو الذي يحدد مكانة الدولة بين الدول فكلما كانت العملة قوية كلما كانت الدولة قوية وكلما كانت قيمة العملة منخفضة كانت الدولة مستضعفة بين الامم, لم تعد قوى الدولة من مساحة وسكان وموارد وجيش والذي منه هي المعيار السائد. أطال الله عمر أستاذنا العظيم محمود عبد العال فعندما كنا تلاميذ في المرحلة الوسطى سمعنا ان الدولة خفضت عملتها فسألناه ما معنى ذلك فقال لنا معناها ان الدولة رخصت ممتلكاتها وبالتالي رخصت نفسها. طلاب اولى اقتصاد يعلمون ان اسباب انخفاض قيمة العملة كثيرة ومتداخلة ولكن اهمها ضعف القاعدة الانتاجية فدولة تستهلك اكثر مما تنتج يعني ذلك ان حاجتها للعملة الصعبة متزايدة كل يوم على حساب عملتها المحلية فنحن في السودان بعد اصابتنا بالداء الهولندي الناجم عن مغادرة النفط مع الجنوب لم تقلل الدولة صرفها البذخي الذي اعتادت عليه ايام النفط فكان من الطبيعي ان يحدث تمويل بالعجز الامر الذي لحق جنيهنا امات طه. المعروف ان خروج النفط مضت عليه اربع سنوات كما ان ذلك الخروج لم يكن مفاجئا بل كان امرا متوقعا بنسبة كبيرة كل هذا كان كفيلا بامتصاص الصدمة الناشبة من خروجه واستعدال الامور ولكن هذا لم يحدث, فلماذا؟ هل من عدم رغبة في الاصلاح؟ هل من قلة الخبراء؟ هل من عناد وفساد الساسة؟ هل طرأت نوازل جديدة ضغطت على الميزانية؟ المهم في الامر ان فشلا قد حدث فظل الجنيه السوداني في حالة تخسيس اجباري يومي الى ان وصل ما وصل اليه. لقد بدا ان الفساد لعب دورا كبيرا في تخسيس الجنيه السوداني لأن الفساد استعمل الجنيه في غسيل امواله وبالتالي اخرجه عن طوره ووظيفته كمستودع للقيمة وجعله كبرياً او محللاً للقيمة ولنأخذ لذلك مثلا الذين هبروا في الاراضي الحكومية القيمة في ولاية الخرطوم- الاشارة هنا لفتيان مكتب الوالي- فهؤلاء اليفع عندما يبيع الواحد منهم القطعة بكذا مليار جنيه يسرع بها نحو الدولار ولا يفرق معه لو اشترى الدولار بعشرين جنيه (ما ضاربه فيها حجر دغش) لأنه بهذا تكون قد تخلص من ارقام كبيرة حتى ولو كانت في بنك وحول كل ذلك الورق الى حزمة معقولة لا بل قد يكون ذلك مدخلا له للاتجار في العملة. وعلى طريقة فتيان مكتب الوالي سار من قبل كل من اكتسب مالا بصورة غير مشروعة من رشوة او سرقة او مخدرات او قمار او اي جريمة اخرى فهذا المال غير المشروع الناجم عن فساد هو في تقديري من اكبر العوامل التي جابت خبر الجنيه السوداني في الفترة الاخيرة لأن تخسيسه اصبح بمتوالية هندسية واصبح صابونة تغسل بها الاموال. بعبارة أخرى لم يعد الجنيه السوداني عند الذين اكتسبوه حراما مالا متقوما انما تحول الى صابونة غسيل تذوب وتذوب مهما كانت سميكة في الاخضر الابراهيمي، وقريبا من الفساد هناك عوامل اخرى حولت الجنيه السوداني الى صابونة مثل التجنيب، فالمال المجنب يدخل سوق العملة ويحول الجنيه السوداني الى بروة صابون وهذه قصة أخرى. فأوقفوا عجلة الفساد حتى تعود للجنيه السوداني بعض عافيته وتعود لدولة السودان بعض هيبتها وتعود لأمة السودان بعض عزتها -- الله لا كسبكم. حاطب ليل- السوداني [email protected]