كل القصص التي عرفتها عندما كنت صغيرا كانت تبدأ بعبارة «كان يا ما كان»، ولكن «كان» التي أتحدث عنها الآن مدينة فرنسية على البحر المتوسط، عدد سكانها فقط 70 ألف شخص، وفيها 750 فندقاً، وسبب شهرتها أنها منتجع للميسورين ماديا «وبالتالي ليست خياراً شخصيا لي»، إضافة إلى استضافتها لمهرجان «كان السينمائي» في مايو من كل سنة.. أي هذه الأيام تحديداً. وفي العادة نكون نحن العرب حاضرين بنخبة نجوم الفن الذين يذهبون للتعرف والتصوير والفلاشات أكثر منهم للمشاركة، ولكن هذه السنة هناك فيلم مصري قصير يشارك في المهرجان، ويحمل عنوان «المجني عليها»، وهو من بطولة الزميلة المذيعة إيناس الليثي، وإخراج صفوان ناصر الدين.قصة الفيلم رمزية لأنها تحدث في الصحراء، ولكن حتى في الصحراء تتعرض بطلة الفيلم للتحرش الجنسي، وفي دلالة رمزية أخرى اختار المخرج اللون الأزرق كخلفية لفيلمه، ليرمز إلى «برودة المجتمع في التعامل مع قضية التحرش». والمشكلة أننا كعرب نتاج مجتمعات نقول عنها «محافظة وملتزمة وأحياناً متزمتة»، فمن أين أتانا التحرش الجنسي إذا كنا جميعا ضده وندينه، وحتى أفهم أكثر تفكير المتحرشين وضعت تغريدة على حسابي في «تويتر» قلت فيها: «إن معظم المتحرشين ينتمون لدين ينهى عن ذلك، وأطالب بوضع صورهم في الصحف والمجلات حتى يكونوا عبرة لغيرهم»، وكانت الصدمة قبل الدهشة من حجم الدفاع عن المتحرشين بشكل أو بآخر من قبل «المغردين الذكور»، الذين وضعوا كل اللوم على الكبت وعلى المجتمع وعلى الظروف، وعلى «المُتحرش بها أي على البنت»، فهم لاموا لبسها وأنه السبب وراء تحرشهم بها!! ولم ولن أفهم هذا التبرير، فقلت لو ذهبتم لأوروبا أو لأي بلد عربي «منفتح وفيه جاليات غير عربية»، فهل ستتحرشون بكل فتاة ترون أن لبسها يُغريكم؟ وماذا عن المنقبات اللواتي يتعرضن للتحرش والترقيم يوميا في كل مول وشارع وحتى في المشافي، وفي أي مكان يمكن لشاب أن يتواجد فيه مع «منقبة»؟التحرش ظاهرة خطيرة ويجب التعامل معها بحزم، وعيب وأكبر عيب أن نجد من يدافع عن المُتحرشين إن كان من الأهالي أو حتى السلطات، ويجب ردع كل من يفكر مجرد تفكير بالتحرش بمن لا ذنب لها سوى أنها أنثى في زمن ذكوري بامتياز. [email protected]