حلّ التحرش بالنساء المنتشر في الشارع المصري بكثرة ضيفاً أول على شاشة برنامج الساعة العاشرة مع الإعلامي وائل الأبراشي. الإعلامي الذي أعد لحلقته بضيف له رأيه وحجته وتحليله الواعي والمنطقي هو رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي الدكتور أحمد عكاشة، كذلك كان حاضراً بقوة بريبورتاجات خارجية غنية. المادة التي دعّم بها حلقته جاءت مثيرة ومقلقة في الوقت نفسه. فليس سهلاً على سبيل المثال أن نتقبل أن عمر المتحرشين يبدأ من 10 سنوات حتى 20. كيف لطفل في عمر العشر سنوات أن يتحرش بفتاة في عمر ال16 سنة باليد أو باللفظ مثلاً؟ هل يتخيل عقل فتاة أن طفلاً بهذا العمر يغتصب حريتها بالسير بسلام في الشارع؟ هذا الطفل نفسه ظهر على الشاشة ليقول بكل قوة مكتسبة تاريخياً لديه 'همّ اللي بيخلونا نعمل كدا'. وفي الريبورتاج نفسه لا تجد فتاة يافعة ما تدافع به عن نفسها سوى القول للمتحرش 'إحنا زي خواتك'. عرضت قناة دريم في برنامجها ما نقلته الكاميرات من شوارع القاهرة من حالات تحرش. وتبين أن المتحرشين يتشكلون من مجموعات تخطط وتهاجم. وأهم ما عرضته قناة دريم كان ذلك الشريط المنقول عن قناة الرحمة المصرية وفيه شيخ يقول: المرأة هي الداعية للإثم..هي التي تجلب الرجل وتفتنه.. لو صانت المرأة نفسها ما أعتدى عليها أحد.. لمن تحرش بها أحد أقول احذري لعلك خرجت من بيتك لغير حاجة فسلط عليك هذا الذئب الشيطان لأن عينك تجري ذات اليمين وذات الشمال؟؟؟ تحميل المرأة مسؤولية التحرش بها جاء كتأكيد لقول ذاك الطفل ابن العشر سنوات الذي قال 'هم اللي بيخلونا نعمل كدا' من قبل هذا المسمى شيخاً وطال بشكل خاص المحجبة والمنقبة. في عصر الفتاوى والتحليل الديني المنتشر عبر مئات الفضائيات الدينية، وفي الوقت الذي تصبح فيه الضحية مسبباً للتحرش، لم يكن للدكتور عكاشة سوى التعقيب: تفسير ديني محزن ومخيف. هي ثقافة فهلوة تتغير عبر الثقافة والتعليم. أما وائل الأبراشي فوقف مندهشاً أمام رجل الدين الذي كافأ المغتصب، وألقى باللوم على النساء اللواتي تعرضن ويتعرضن للتحرش. حصيلة حالات التحرش خلال عيد الأضحى في مصر أكثر من أن تحصى. أما الذين أوقفتهم الشرطة في القاهرة فقط فبلغ عددهم 200. الخوف من أن يصبح التحرش وباء في المجتمع المصري خاصة في ظل التغيرات التي يشهدها المجتمع على كافة الأصعدة سياسياً واجتماعياً. وفي التحليل الموضوعي للأمور أن طاقة الشباب يجب أن توجه للعلم، الرياضة والعمل. وإن كانت هذه الأبواب الثلاثة الطبيعية موصدة، فمن الطبيعي أن ينتصب الجنس هاجساً أمام الشباب. وهكذا تصبح المرأة التي تسير في الشارع موضوعاً جنسياً فقط، وتجرد من أي بعد فكري إنساني، كما وتجرد من حريتها وكرامتها، عندما يستبيحهما المتحرش ولو كان طفلاً في عمر ال10 سنوات. فهو ورث استباحة المرأة كما يبدو أباً عن جد، وأختصرها كوعاء جنسي. القدس العربي