! * ونحن تلاميذ مدارس - زمان - كنا نفرح بيوم الخميس بما أنه الذي يسبق العطلة.. * وفضلاً عن ذلك فإن الحصص الدراسية للخميس هذا كانت تخلو دوماً من ثالوث الرعب : الرياضيات والإعراب و(الجلد!).. * ثم هنالك حفلات الأعراس التي ارتبطت باليوم المذكور إلى حد دخوله في المكونات الغنائية من قبيل (فلان العريس أنا عجبني ليه، سيرتو بالخميس أنا عجبني ليه).. * وللسبب هذا اشتهرت - في ذياك الزمان - مقولة (الخميس، صفقة ورقيص).. * أما في زماننا هذا فلم تعد (الصفقة) - وتابعها الرقص - من ميزات الخميس بفضل المشروع الحضاري الذي أحال نصف شبابنا إلى (غنايين وغنايات!) .. *وبفضل نوابنا الذين أدخلوا ثقافة (الصفقة) في أدبيات عملنا البرلماني.. *وبفضل فضائياتنا التي أضحت متخصصة في ال(هشك بشك) بجدارة.. *وعلى رأس تلفزيوناتنا هذه قناة (إيلا) المسماة مجازاً (فضائية البحر الأحمر!).. * فالقناة المذكورة يُصرف عليها (الشيء الفلاني) من أجل برنامجين اثنين لا ثالث لهما إلا ما ندر : * فهي إما في حالة برنامج كلامي (بطله!) والي البحر الأحمر نفسه.. * أو في حالة برنامج غنائي - ذي صفقة ورقيص - مسرحه إستاد بورتسودان.. * ثم لا يكتفي إيلا بكل غنائه الولائي هذا وإنما يريد من العاصمة أن (تغني!) له كذلك عبر صحافتها.. * تغني له، ولإنجازاته، ول (مواسمه السياحية التسوقية!) التي لا تنتهي أبداً.. * فكل حين وآخر (يحج!) نفرٌ من الزملاء إلى بورتسودان ليستهلوا زيارتهم باستوديو (الصفقة والرقيص) المقام على أرض (الإستاد).. * ثم من بعد ذلك يؤخذوا إلى أستديو (الكلام)- بمكتب الوالي- ليسمعوا منه ما فعل ، ويفعل ، و سوف يفعل .. * وفور عودة الزملاء هؤلاء من هناك (تهجج) صحافة الخرطوم بإنجازات الوالي على إيقاع (هجيج) إستاد الثغر .. *ولانشغال الوالي و(إستاده) بالغناء - على حساب الرياضة- فشلت أندية الثغر من العودة إلى الدوري الممتاز هذا العام أيضاً.. * ثم هناك قناة ولائية أخرى - هي فضائية كسلا - انتقلت إليها عدوى تخصيص ملاعب الرياضة لبرامج (الصفقة والرقص) إلى جانب (الساحة والتسوق!) .. * ثم علمنا أن فضائيات ولائية جديدة في طريقها إلى الظهور لتسير على النهج (التطريبي) هذا نفسه بالتأكيد.. * وبسبب القنوات الطرفية الراقصة هذه - إضافة إلى التي هي (مهججة) أصلاً في المركز - يستحق سوداننا أن يُسمى (بلد الصفقة والرقيص!) بامتياز .. *أو أن يُسمى بلد ال(مليون غناي!) منافسةً للجزائر في لقب ال(مليون شهيد).. * و لم يعد الخميس فقط هو الذي يحظى بالشرف الترفيهي هذا، وإنما بلادنا كلها بحكوماتها وقنواتها وإذاعاتها وشعبها وأيام اسبوعها .. *ولتذهب إلى الجحيم حكاية (سلة غذاء العالم) هذه .. * فالمهم هو أن نكون (سلة غناء العالم!!!) . بالمنطق - صلاح الدين عووضة صحيفة الأهرام اليوم