الشعب المصري معروف بالطيبة والبساطة.. والدهاء وسرعة البديهة، وعلى الرغم من أنهم يجهلون الكثير عن السودان وشعبه.. «..بس هم أولاد حلال».. يحكي أن بعض المغتربين بالمملكة العربية السعودية كانوا يتحدثون عن شدة الحر في مدينة بورتسودان في رمضان الماضي لدرجة أن بعضهم صار يتسابق لاستئجار مكان داخل ثلاجات الفواكه ليقضي بداخله نهار رمضان.. ولدرجة أن جاءت فتوى بأن الفطر يجوز في مثل هذه الحالة.. وهنا علق أحد الإخوة المصريين قائلاً: «هو السودانيين بيصوموا؟!» وفي آخر زيارة لي للقاهرة لفت نظري كثرة الإعلانات واللافتات التي تملأ الشوارع المصرية عن الأفلام والمسلسلات وصور الفنانين والفنانات.. ولما كنت من مدمني السينما عامة منذ أيام الأفلام المصرية الرائعة من قصص كبار الأدباء والكتاب.. نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله والسباعي وغيرهم والتي تحكي عن واقع الحياة المصرية من داخل الحواري والأحياء الشعبية وقصص «بمبه كشر» و «الباطنية» و«العوامة» وغيرها من الأعمال الفنية الكبيرة التي تعكس الكثير عن مصر وأهلها وطبيعة الحياة فيها.. لفت نظري من بين اللافتات إعلان عن فيلم أمريكي من «الخيال العلمي» اسمه «Rat Attack» «هجوم الفئران».. وحرصت على مشاهدته في أحد دور العرض الراقية.. الفيلم يحكي عن «فئران» في جزيرة تأكل من مادة تظهر بين صخور من باطن الأرض وسط الحشائش فيكبر حجم الفئران ويتضخم وتصبح «عملاقة».. تقتل وتدمر وتدهس السيارات وتحطم الكباري وتهد السدود وتهاجم الناس والسياح في الجزيرة. وكان فيلماً مثيراً ومرعباً.. وفي فترة الاستراحة التفت جاري المصري المحترم نحوي وسألني بهدوء : «مش الأخ برضو من السودان؟؟» أجبته: «..آه» فقال لي بسذاجة وبلاهة غريبة: «عندكو في السودان فيران زي دول؟!» فأجبته بهدوء.. «وأكبر من دول بكتير.. وتماسيح.. وأفيال كمان.. وكلها تحوم وتروح وتيجي في شارع الجمهورية والبلدية والجامعة وفي الأحياء والبيوت كمان» وقبل أن أكمل حديثي كان قد غادر مقعده ليجلس في مكان آخر.. وسألت نفسي عن المسؤول من جهل مثل هذا الرجل- المحترم - بأقرب دولة وجارة لبلاده «أم الدنيا».. لا شك أن ذلك هو الإعلام.. فالإعلام المصري ينشغل بخصوصيات الفنانين والفنانات وآخر أخبارهم وأعياد ميلادهم وزيجاتهم وطلاقاتهم أكثر مما يعِّرف أفراد شعبه «الغلبااااااان» بأمور الحياة المهمة من حوله.. ومن خلال وجودي ب «أم الدنيا» تأكدت تماماً أن غالبية الشعب المصري يجهل الكثير من حوله خارج ضروريات حياته.. فحقيقة «مثلث حلايب» وموقعه الجغرافي وتبعيته التي يعترف بها العالم غائبة عنه.. وكذلك قصة قيام السد العالي وحلفا السودانية وبحيرة النوبة.. وللأسف كل ما يعرفونه عن السودان أنه عبارة عن غابات وجبال وحيوانات متوحشة وشعب متخلف.. وإذا نظرنا إلى ما يسندونه للسودانيين من أدوار في أفلامهم ومسلسلاتهم «بواب العمارة» «العم عثمان» والأدوار المبتذلة في الأماكن الهابطة والمرفوضة اجتماعياً.. وبنظرة عامة نجد أن الإعلام المصري تتزايد كبواته تجاه أقرب دولة إليه ولعل أحداث مباراة الجزائر ومصر التي أقيمت بالسودان مؤخراً كانت خير شاهد على ذلك، بدأ الإعلام المصري «يصرخ ويولول ويعيط».. »الحقونا..أحنا بنموت».. و«فين الأمن.. وأصح يا ريس» ولم تمض أيام قلائل حتى عاد بعض الإخوة المصريين يعتذرون ويتأسفون ويبحثون عن بعض إخوانهم السودانيين ليشكروهم ويكرموهم على مواقفهم النبيلة معهم.. هذا شيء وما يكتبه الإعلام المصري عن موضوع «سد النهضة الإثيوبي» عن السودان والسودانيين شيء آخر. ونقول لإعلام مصر الشقيقة نحن لا ننسى تاريخ مصر منذ أيام سيدنا موسى عليه السلام.. وحتى حكم الرومان والمماليك والإنجليز والأتراك «الخديوية والباشويه».. وحتى مصر عندما دخلت السودان مع الأتراك والإنجليز كانت مستعمرة منهم أيضا.. والى أن حكمت مصر نفسها «أيام جمال عبد الناصر» في الخمسينيات ومنها «وعينك ما تشوفش إلا النور».. «وملعون سنسفيل الديمقراطية والحرية».. إذا كانت تقود للإساءة للآخرين والتقليل من شأنهم وإثارة المشاكل مع الجيران والأصدقاء والأحباب. واليوم تفتح قناتان فضائيتان سودانيتان أستديوهاتهما لتستضيف فنانين وممثلين مصريين «من الدرجة الثانية» في حلقات طوال شهر رمضان، ولننظر ماذا سيقول إخواننا في شمال الوادي وهم لا يعرفون شيئاً عن جنوب الوادي الذي يعرفه العالم أجمع، وما اتصف به شعبه من كريم خصال وشهامة ومروءة وقوة تحمل.. وطولة بال. ولعل الفريق «السيسي» عندما ألغى وزارة الإعلام في حكومته الجديدة كان يسعى لوضع حد للفوضى والجنوح الإعلامي المصري الذي لا يعود على مصر إلا بالمشكلات و«الهباب». صحيفة الإنتباهة