هل تذكرون الهوجة الهوجاء التي تعرضت فيها الحكومة الفرنسية للسب والشتم، لأن برلمانها منع ارتداء النقاب النسائي، وأي من مظاهر الانتماء الديني في المدارس، ورغم أنني مقتنع بان ذلك القرار يصادر حرية الاختيار في أمر بسيط، ويرقى إلى مصادرة حرية التعبير، لأن الحجاب تعبير عن انتماء معين، إلا أنني لم أر أن هناك ما يستوجب انضمامي إلى من اتخذوا من فرنسا حائطا قصيرا وأشبعوها سبا ولعنا! وما حيرني هو أن السبابين والشاتمين لم يفتح الله عليهم بكلمة حول حكومة بلد عربي مسلم (تونس على عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي) كان يحرم على المرأة المحجبة إنجاز أي مهمة في الدوائر الحكومية، وكان يسكت المسؤولون فيه على من ترتدي التنورة القصيرة في المدرسة ويشرشحون من تغطي رأسها بطرحة ثم هناك البلد الآسيوي المسلم الشقيق (تركيا) الذي كانت حكومتها تعتبر إطالة اللحية خرقا للدستور وتعريضا لأمن البلاد للخطر، أما ارتداء الجلباب والعمامة فقد كانت عقوبتها السجن الفوري، لأن تلك البتاعات ضرب من الخيانة العظمى، وما زال حراما على أي امرأة في ذلك البلد أن تدخل مبنى حكوميا ولو كانت ترتدي طرحة من الشيفون الفرنسي على رأسها، وكلنا نذكر حكاية النائبة البرلمانية (مروة قاوقجي) التي خسرت مقعدها في البرلمان لأنها دخلت البرلمان وهي تغطي شعرها، وبعد تجريدها من الحصانة البرلمانية شوهدت وهي ترتدي ذلك البتاع على رأسها فخشيت الحكومة من تفشي فيروس الحجاب من تلك المرأة إلى بقية نساء البلاد فتم تجريدها من جنسيتها، ثم وصل إلى الحكم حزب العدالة والحرية «الإسلامي»، ووفقا للقانون غير الإسلامي الذي ما زال الحزب الحاكم يحترمه فقد كان ممنوعا على زوجة الرئيس التركي السابق عبد الله غل الظهور إلى جانبه في مناسبات عامة لأنها محجبة وفي نحو عشر دول عربية لا يسمح لمذيعة التلفزيون بارتداء أي غطاء على الرأس، وتفقد مضيفة الطيران المحتشمة وظيفتها،.. ومع هذا لا حاجة بنا إلى إصلاح أو صلاح لأن كل شيء عندنا تمام التمام، والسلم نايلو في نايلو!! ولكن فرنسا دمها مباح لأن أجهزتها لن تتربص بمن يهاجمون قرار منع الحجاب، وكل ما لا نستطيع قوله في أمر حكوماتنا والحكومات المجاورة لحكوماتنا نستطيع أن نقوله في فرنسا. وقد أراد الله أن يجنبني شبهة الجُبن المطلق، فقَيَّض لي دولة مثل فرنسا استطيع أن أتكلم عنها بالمكشوف، وعموما فإنني أنصح الكتاب الصحفيين الذين يريدون أن ينتقدوا الأوضاع في بلاد معينة أن يركزوا على البلدان التي نشأت عن تفكك الاتحاد السوفيتي مثل قرفستان وزفتستان وبدون - فستان!! قل عنها ما تشاء ولن يحاسبك احد ولن يحتج أحد، وتركمانستان التي سأتكلم عنها اليوم مثل فرنسا فقط لكونها موجودة على الأطلس.. فقد أصدرت حكومتها قرارا بمنع اللحى، وإدخال كل صاحب لحية السجن لشهر واحد بدون محاكمة، ويشمل القرار زوار البلاد، ومن ثم صار مطار عاصمتها سوقا رائجة للحلاقين الذي استولوا على أرصفة المطار فبعد أن يجتاز الركاب حواجز الجوازات والجمارك يتوجه الملتحون منهم إلى الحلاق قبل أن يستقلوا السيارات إلى وجهاتهم المختلفة، ويبدو أن شخصا متنفذا يملك محلات كثيرة للحلاقة في تركمانستان لأنه بعد قرار مصادرة اللحى بيومين صدر قرار بسجن أي شخص شعره طويل، وهكذا هجر المدرسون والمهندسون والأطباء أعمالهم والتحقوا بدورات مكثفة في الحلاقة،... فهلموا... ليس لممارسة الحلاقة في تركمانستان، بل لشتمها لأنها تصادر الحريات كما فعلت فرنسا، وهي كفرنسا حائط قصير! جعفر عباس [email protected]