قرأت في عدد هذه الصحيفة ليوم الأحد الماضي، خبراً يحمل توقيع الزميلة آثار كامل، عن صدور حكم بسجن مدير الشؤون المالية والإدارية بمفوضية تشجيع الاستثمار، لسنة واحدة مع غرامة قدرها 1000 جنيه، بعد ثبوت أن شهادته الجامعية مزورة من كلية التجارة بجامعة النيلين، وجاء في متن الخبر كلام يفترض أن «يجيب خبر» من منحوه المنصب. استغل المزوراتي هذا تلك الشهادة على مدى خمس سنوات! وا مصيبتاه: نفهم من الخبر الآثاري الكامل، أن صاحبنا قطع شوطا طويلا، وصار مديراً للشؤون الإدارية والمالية لمفوضية بالغة الأهمية والحساسية في غضون خمس سنوات، وهذه سرعة لا تتوافر حتى لطائرات إيرباص التي تعمل على خط هيثرو، الذي صار خطاً وهمياً مثل خط الاستواء. كلما تكلمنا عن استشراء الفساد، طالبونا بالأدلة. هاكم: من الذي قام بإصدار الشهادة المزورة؟ ومن قام بتوثيقها وكيف فعل ذلك؟ ألا ينبغي توسيع دائرة التحري لمعرفة من يكون الشخص أو الجهة التي قامت بالتوثيق لتقصي ما إذا كانت «ذمتها واسعة» أو لا تملك المؤهلات والقدرات للتحقق من صحة المستندات التي تقوم بتوثيقها هذه واحدة. أما الثانية فهي كيف يطير بسرعة الضوء شخص يحمل درجة جامعية عمرها خمس سنوات – حتى لو كانت مبرأة من كل عيب – لينال رتبة «مدير» إدارة بيدها الحل والربط، والتعيين والفصل من الخدمة والبدلات والعلاوات والمخصصات والميزانية والترقيات؟ وما علاقة بكالريوس التجارة بشؤون الأفراد والمال؟ والإجابة بدهية: هناك من ساند هذا الطفل المعجزة ليصل الى منصب لا يستحقه، حتى لو كان يحمل البكالريوس من جامعة هارفارد، فشهادة عمرها خمس سنوات تعتبر «طفلاً» في عالم الخدمة العامة، وفي النظام المعتق الذي ظل يحكم الخدمة المدنية لنحو نصف قرن، كان مثل ذلك البكالريوس يا دوب ينقل الموظف من الدرجة «كيو» المخصصة للجامعيين حديثي التخرج، الى بداية الدرجة التالية «دي. إس». تذكرت ذلك الشاب الذي أدرك أن بيع الخضار في ود مدني، لن يسمح له بشراء مريسة تامزينو (واضح من المثل الدارج أن تامزينو كانت تبيع مريسة ركيكة بأقل من سعر التكلفة)، فأعطى نفسه ترقية، ومنح نفسه بكالريوس الطب وآخر في الصيدلة، وأسعفه الحظ وقبلته وزارة الصحة طبيباً، فعمل لبعض الوقت في الخرطوم ثم تم نقله الى جوبا، وبعد انفصال الجنوب نقلوه الى مستشفى الجنينة. يعني صاحبنا طبطب مئات الناس على مدى عدة أعوام، ثم انكشف أمره بسبب نباهة المدير الطبي لمستشفى الجنينة (كان ذلك في عام 2012 إذا لم تخني الذاكرة)، الذي لفت انتباهه ان ذلك «الدكتور» صاحب خط «شين» للغاية، طبعاً معظم الأطباء الحقيقيين يتميزون – إذا جازت العبارة – بالخط الشين، ولكن يبدو ان خط الخضرجي كان ممعناً في «الشناة»، ويقال إن وزير الصحة لم يستجب بعد لمذكرة الأطباء بتحسين شروط خدمتهم التي رفعوها إليه منذ سنة، لأن الصيادلة ما زالوا يحاولون فك شفراتها. في البحرين تم اعتقال مصري يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية بعد ان اتضح ان شهادته الجامعية مزورة، وكتبت مقالاً في صحيفة «أخبار الخليج» البحرينية مدافعا عنه، لأنه وعلى مدى سنوات خدمته العشر في البحرين، ظل ينال تقدير ممتاز، من قِبَل الموجهين التربويين، وقلت إن التزوير جريمة، ولكن صاحبنا كان مدرساً عالي الكفاءة، وإذا كان لابد من محاكمته، فليحاكم معه من منحوه الوظيفة، وأقول عن «المدير» في مفوضية الاستثمار نفس الشيء: حاكموا من وثقوا شهادته ومن منحوه الترقية تلو الأخرى.