ملامح جديدة بدأت تكسو شارع النيل بالخرطوم، تغيرت مسارات (الحركة) الدائبة للباعة المتجولين والراكبين والمرتكزين و(لستات الشاي)، توقفت عمليات التفحيط، والمظاهر السالبة التي يمارسها بعض الشباب، فلاشات الدوريات الشرطية تضيء من كوبري توتي وحتى برج الاتصالات. بالأمس القريب تواصلت حملات الشرطة المكثفة والتي أسفرت عن توقيف العشرات من العربات المظللة دون تصديق وإزالة تظليلها في الحال، وضبط أكثر من (15) دراجة نارية بدون لوحات، ولم تدون أية بلاغات لتفحيط او قيادة خطرة بشارع النيل، وهو ما جعل ليلة البارحة بشارع النيل من الليالي الاستثنائية الهادئة والنادرة.. هذا الهدوء سبقته عاصفة من الأفعال والأقول والمشاهد.. وهو ما قاد (الإنتباهة) لتقصي الحقائق حول ما يدور في شارع النيل وكيف تمت مواجهته. تبريرات الشرطة تبرر الشرطة بولاية الخرطوم حملاتها على شارع النيل بأنه عمل يأتي في إطار مكافحة الجريمة وتنفيذ الخطط المنعية والكشفية. وأفاد مصدر مأذون بشرطة ولاية الخرطوم، أن الحملات انطلقت بإشراف مدير شرطة الولاية اللواء إبراهيم عثمان ضمن الخطط المستمرة، أي سيتواصل هذا العمل المنعي. وكشف عن رصد الشرطة للكثير من المظاهر والتفلتات والجرائم المتعددة بشارع النيل مما حدا بالشرطة القيام بواجبها لتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين. لا لبيع الشاي مدير شرطة الولاية اللواء إبراهيم عثمان تحدث ل(الإنتباهة) عن الحملات وقال: بحمد الله تمت السيطرة على شارع النيل تماماً، والحد من الظواهر السالبة بفضل الجهود التي بذلتها الشرطة لأجل توفير الأمن والطمأنينة للمواطنين، الى ذلك فإننا نهدف إلى أن يكون شارع النيل واحداً من الملاذات الآمنة للأسر. وأضاف إن هذه الإجراءات وجدت ترحيباً كبيراً من المواطنين الذين أشادوا بالشرطة ومهنيتها في مكافحة تلك الظواهر، موضحاً أن الإشادة جاءت من المواطن لأنه عرف مصلحته. وفي ما يتعلق بمنع (ستات الشاي )، قال إبراهيم إن هذا القرار لا رجعة عنه وذلك لما تم ضبطه من مخالفات مدونة بالسجلات، مشيراً الى أنه وجه مديري شرطة المحليات التي بها شارع نيل في كل من الخرطوم وام درمان وشرق النيل بمضاعفة الجهود لمنع بيع الشاي، وقال: (إن كانت هناك أسر ترغب في شرب شاي بشارع النيل عليها بإحضاره من منازلهم). وقال إن هناك ارتياح من رواد شارع النيل حيث أعرب أحد رجال الأعمال الذين يسكنون بالقرب من شارع النيل إنه عرض منزله للبيع بسبب إزعاج شارع النيل وبعد تلك الحملات أوقف البيع. كلاب شرطية بشارع النيل أثارت عملية تمشيط شارع النيل بالكلاب الشرطية جدلاً واسعاً في العديد من الوسائط ، إلا أن قائد ميداني بشارع النيل كشف ل(الإنتباهة)، أن الكلاب الشرطية واحدة من إدارات الأدلة الجنائية، وتعمل مع كل الوحدات الشرطية وفي كل المعابر والولايات وهي متخصصة في عمل كشف المخدرات وليس المقصود بها تفتيش بائعات الشاي، وإنما مروجي المخدرات وهناك بلاغات مخدرات بشارع النيل وستات الشاي ليست طرفاً فيها، وقال إنها مدربة – أي الكلاب الشرطية – تدريباً تخصصياً على معرفة العديد من أنواع المخدرات وكشف عن قدرة الكلاب على التعرف على مادة الترامدول المخدرة. جولة في شارع النيل الزميلة هادية قاسم وفي تمام الثانية عشر ظهراً تحركت من مقر الصحيفة قاصدة شارع النيل لإجراء تحقيق حول ما يثار من حديث حول المظاهر السالبة، وللوقوف على نتائج تلك الحملات الواسعة على أوكار الجريمة وعلى رأسها (المخدرات) ، والتي تطال فيها أصابع الاتهام بعض بائعات الشاي، واللاتي بحسب الأحاديث الواردة يقمن بإذابة هذه الحبوب داخل كوب الشأي أو القهوة، فذهبنا هناك للبحث عن إجابة لسؤال مهم: من هو المتهم الأول؟ وهل صحيح أن بعض (ستات الشأي) يبعن المزاج والكيف الممنوع على مرمى ومسمع الجميع، أم الشباب والشابات من طلبة الجامعات وغيرهم من الفئات العمرية” الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً”، أم أولياء الأمور الذين غفلوا عن فلذات أكبادهم فجرفتهم رياح الضياع ؟؟. وسط هذه الأوكار كانت (الإنتباهة) حاضرة لرصد بعض التفاصيل المثيرة والتي يرويها بعض (المخروشين) – كما يطلق عليهم – وبعض ستات الشاي اللاتي استطعنا أن نتحصل منهن على كثير من المعلومات بفضل تنكرنا لهويتنا الصحافية: أوكار كنت في بادئ الأمر مترددة لاقتحام بعض الأوكار التي أُخبرت بأنها تضم كثير من القصص التي تفيد هذا التحقيق ، ولكون أنني قد أواجه بعض المشاكل آثرت أن يبقى سائق العربة (الباقر) بمعيتي لحين الانتهاء من الجولة، قرابة الساعة قضيناها في تمشيط شارع النيل ابتداءً من (الفلل الرئاسية) الى أن وصلنا الشارع الموازي لكوبري أم درمان، طلبت من السائق أن يتمهل في القيادة علني أبصر (ست شاي)، كانت الأجواء هادئة تماماً، ولم يك هنالك وجود كثيف لستات الشأي . بعد العصر بينما نحن نتجول ببصرنا يمين الشارع وقعت عيناي على واحدة منهن، اقتربت منها وطلبت أولاً ماء شرب، أتتني بكوب ماء أنيق وضعته أمامي وهي تسألني: (تشربي شنو؟). قبل أن أجيبها استحضرت ذاكرتي عبارة قيل بأنها توضح لبائعة الشاي نوعية طلب الزبون، فأجبتها: (عايزة شاي من النوع المظبوط). حدقت في وجهي ملياً وبدت لي كأنها ترددت وسرعان ما قالت: (المظبوط دا بعد العصر)، قلت لها بأن ظرفي لا يسمح أن أعود ثانية وألححت عليها بأن (تنقذني) بواحدة فقط ، بدت وكأنها أشفقت على حالتي بعد أن أجدت دور من يعاني من صداع يكاد أن يشق رأسه – فقالت: (مافي طريقة يابتي الآن، لكن لو جيتي العصر بديك، ونحن الأيام دي في خطر)، سألتها عن أي خطر تتحدث، فأردفت بأن الشرطة تترصدهم هذه الأيام وقامت بإطلاق كلاب بوليسية عليهن لذلك لا يمكن أن تجازف بحياتها. سألتها ثانية: ( طيب العصر ح تتصرفي لي كيف)؟ قالت بأنها تعرف من يروجها وتقصد (الحبوب المخدرة)، غادرتها بعد حسرة عليها وعلى زبائنها. لقمة بالحلال بعد مسافة ليست بالقريبة تقبع سيدة تبدو في عقدها الرابع حولها (عدة شاي) مرصوصة بعناية تكاد تخفي وراءها وجهها، كانت تهم بإشعال النار وهي تحمل (هبابة) مصنوعة من السعف، قلت لها: ( الشاي لسة ولا شنو)؟ رحبت بي ثم أكدت أنها حضرت للتو، حاولت أن أتقمص ذات الشخصية التي أفتعلتها مع زميلتها في المهنة إلا أنها أفادتني قائلة: (أسمعي : والله أنا لا ببيع حبوب مخدرة ولا بعمل حاجة تغضب ربنا، نحن مارقين للقمة الحلال عشان نربي وليداتنا). ثم واصلت حديثها بأن ظروف الحياة هي التي جبرتها للعمل كست شاي، وأنها عانت كثيراً من خلال الاتهامات التي تطال كافة ستات الشاي وتضررت سمعتهن – على حد قولها – وجزمت بأنها لم تقم بهذا الفعل الذي وصفته بالشنيع . وختمت حديثها بأن كثير من ستات الشاي يجذبن الزبائن بهذه المخدرات . ما مكانو لم نكتفِ بشارع النيل فقط وإنما توجهنا الى مدينة توتي بعد أن علمنا أنها تضم تجمعات كبيرة لستات شاي يبرعن في (ظبط الكيف) ، في أول راكوبة مواجهة للمدخل وجدت ست شاي تنشط في بيع (التبش بالشطة) حاولت استدراجها في الحديث وبذات العبارة المعروفة قلت لها ???? بنلقى عندك الشاي المظبوط ) فقالت ضاحكة ???? لا.. لا المظبوط دا ما مكانو) سألتها أن تدلني على مكانه فأشارت الى كافتريا متهالكة، أسرعت نحوها لأجد ضالتي فيها . إفادات خاصة داخل هذه الكافتريا وجدت ثلاث فتيات في مقتبل العمر .. ( س) وهي صاحبة السلطة العليا بالمحل – وقد بدا لي ذلك من خلال الأوامر والإرشادات التي تكيلها على الفتاتين ، و( ر) و ( ل ) . قلت ل (س ) بأنني في حاجة ماسة لشاي مظبوط ، واستفسرتها عن الكيفية التي تجعلني أحظى بطلبي، امتنعت تماماً في بادئ الأمر وكادت تجزم بأن ليس لديهم (كيف) بل ردت: ( نحن كيفنا نعناع وهبهان وقرفة بس) ، لم أغادر المكان فاتصلت بالأخ الباقر الذي كان ينتظر على متن العربة وطلبت منه الحضور الى الكافتريا بعد أن أخبرته برفض الفتاة التجاوب معي، وطلبت منه المحاولة معها مجدداً ، فوافقت بعد إلحاح شديد غادرت وتحسرت عليها وعلى زبائنها. إفادات ضحية (ص .م ) قال ل «الإنتباهة» بأنه لم يكن يتخيل بأنه سيقع ضحية للخرشة، وأنه كان يسمع بها وسط عامة الناس، إلا أن الظروف قادته الى ورشة شهيرة ببحري حينما كان يريد إصلاح عطب ألم بسيارته، وكان قد وجد بجانب الورشة (ست شاي) فقصدها طالباً كوباً من القهوة وأثناء شربه قال بأنه شعر براحة ونشوة وأن رأسه قد (ظبط ) . هذا الشاب سأل أصحاب الورشة عن سر هذه القهوة فكانت الإجابة بأن حبوب الخرشة تتم إذابتها بها، وقد أصبح (ص) يتردد على ست الشاي هذه وهو يقول بأنه وقع ضحية وأنه لا يستطيع التخلص منها . تعدد الأسباب لمعرفة أسباب تفشي المخدرات وسط الشباب تحديداً استطلعت (الإنتباهة) د.هويدا عباس الياس(علم النفس) والتي أوضحت بأن أهم أسباب تفشي ظاهرة المخدرات وسط الشباب ترجع الي الفراغ الكبير وضعف الوازع الديني وغياب الإرشاد الأسري بجانب أصدقاء السوء . ودعت الجهات المعنية لضرورة توفير أماكن للأنشطة الرياضية والثقافية حتى تهدر فيها طاقات الشباب بدلاً عن إفراغها في الأدمان بأشكاله المتعددة ، وعابت د.هويدا على بعض الأسر عدم متابعتها لأبنائها وتركهم للشارع العام دون أن تراغب وتقوِّم .وأكدت أن العلاقة الطيبة بين الشباب وأسرهم تبدأ من مرحلة الطفولة ويتم غرس المفاهيم الجيدة بنفوسهم حتى يخرجون شباباً أسوياء . تحقيق: علي البصير – هادية قاسم