*اليوم نصيغ فقط…. ولا نكتب.. *ليس لنا من كلمتنا هذه سوى أجر الصياغة ؛ إن لم يكن أجر آخرة… فدنيا.. *أما بطل الفكرة فجار لي في المسجد…عند صلاة الجمعة.. *وكان الإمام ذا وجه كئيب… بل وكأنما تبدت كل هموم الدنيا – وعذاباتها – فيه.. *ولم نُفاجأ حين جاءت خطبته منسجمة مع تعابير وجهه.. *كانت كلها عن الموت… والسكرات… والسؤال… والعذاب… ونار جهنم.. *فنهض أحد المصلين خارجاً؛ وتبعه ثانٍ… فثالث.. *وكل منهم يشيح بيده… ونظرات الجالسين تشيعهم لغاية الباب.. *وكل منهم كانت ملامح وجهه كئيبة أيضاً… وكأني بلسان حالهم يقول (مش ناقصين).. *وراودتني نفسي على الخروج مثلهم كذلك…. لولا.. *لولا إنني تذكرت أن أقرب مسجد مجاور كنت قد هربت من إمامه جراء التكرار.. *فكل جمعة ليس عنده ما يقوله سوى صفات ذات الله.. *ثم لعن المعتزلة الذين جعلوا من كل صفة من هذه الصفات ذاتاً لله.. *والمصلون المساكين يكادون يلعنون ذواتهم… ويغفون.. *ثم ختم ذو الوجه الكئيب خطبته – أخيراً – بالدعاء الذي يُستهل بمفردة (اللهم).. *فإذا بجاري على اليسار يزمجر فجأة (اللهم زهجنا).. *فتساءلت: هل يقصد زهج هو؛ وقالها بصيغة الجمع؟… أم يقصد زهجاً جماعياً؟.. *ولحقت به عقب الصلاة لأعرف منه الإجابة.. *وهذه عادة فضولية قد تبدو غير مستحبة… ولكني لا أقول (اللهم زهجت منها).. *وعرفني بنفسه بدءاً… موظف أُحيل للمعاش بأمر الصالح العام.. *ولكن ليست هذه هي المشكلة – حسب قوله – ولا يحمل في نفسه ضغينة.. *وإنما زهجه – يقول – بسبب حال البلد (الواقف).. *ثم يستطرد غاضباً (واقف؟… يا أخي يا ريتو لو واقف، ده راجع لورا).. *ويذكر – في فورة غضبه – بعض دول استقلت بعدنا… وفاتتنا.. *ويصيح فجأة (ياخي خليك من ديل، رواندا دي مش كان عندها حرب أهلية؟).. *فأومئ موافقاً ليواصل (أها رواندا دي ذاتها فاتتنا الآن).. *ويصمت ريثما يبصق بلغماً تجمع في حلقه… ويرمق وجوه آخرين التفوا حولنا.. *وكانت كلها كئيبة… فبدا مرتاحاً لهذا التوافق المزاجي.. *ثم يتابع (ونحنا نرقص ونغني من مهرجان لمهرجان… ونفرح بمصنع بهار).. *وعند ذكره هذه الجملة الأخيرة ضحكنا جميعاً… ثم انصرفت.. *وسمعته من خلفي يقول لمن بقوا بجانبه (ياخوانا إثيوبيا… إثيوبيا…).. *وعرفت طبعاً ما سيقوله عن إثيوبيا… مقارنةً بنا.. *بل كل الذي ذكره عن دول كانت خلفنا – وتجاوزتنا – معروف… ويدعو للزهج.. *وتساءلت وأنا أبتعد: يا ترى هل مسؤولونا يعرفون؟.. *وجاءتني الإجابة – عبر الشاشة – مكتوبةً على فضاء (تتراقص) فيه العصي.. *فتذكرت صرخة (اللهم زهجنا !!!). صلاح الدين عووضة صحيفة الصيحة