زان قبة البرلمان أمس الأول وزير الصناعة موسى المك كرامة ببيان ضاف لوزارته، أخرج معه كل الاعتمالات التي تعتري عملية الصناعة، والهواء الساخن المنبعث من مصانعها ومؤسساتها، قدم كرامة تقريرا رصينا أشاد به النواب، بخلاف كل تقارير الوزراء التي كثيرا ما وجدت انتقادات من النواب، كونها رتيبة وغير مواكبة وبعيدة عن معانقة ما يواجهونه من أسئلة في الخارج، تقرير وزارة الصناعة ربما يمثل أثرا جديدا يمكن اقتفاؤه في عرض موضوعات الوزارات، في الأداء أو الخطة، يشمل عرضا حقيقيا للأشياء بلا مواربة أو وجل. (1) فوق إجادة موسى كرامة لمظهر تقديم تقريره في قبة البرلمان من صوت واضح ونطق بأجزاء التقارير من جمل وأرقام، فإنه أيضا لامس أبعاد قضية الصناعة، وجلب مشكلاتها للسطح بكل شفافية، ودون أن يمنعه جلوسه على سدة الوزارة فإنه كشف مخابئ القصور فيها أيضا، حيث اختار وعلى غير العادة عنوان بيانه بعبارة (الوضع الراهن والنهوض بالصناعة الوطنية)، حيثما يكون الوضع فعليا، وتتبدى خطة النهوض، أول ما اشتكى منه الوزير أو ما استغربه الأعضاء أن القوى العاملة فيها لا تتجاوز (181) شخصا، رغم أنها تشرف على شركات إنتاج السكر ومركز البحوث والاستشارات الصناعية ومركز تحسين الجلود ومصرف التنمية الصناعية، ثم أعقب بإشارة لازمة بأن وزارته لا تملك أي وحدات إنتاجية أو شركة تتبع لها بصورة مباشرة. (2) أقصى ما يمكن أن تشتكي منه وزارة هو ما يحدث للصناعة؛ حيث أشار موسى كرامة إلى أن وزارته تواجه ضعفا في الدور الرقابي من حيث عدم قدرتها على متابعة تكاليف المنتجات الصناعية المنتجة محليا أو الواردة، وبالتالي حسب قوله ضعف قدرتها على تقديم المشورة والنصح في القضايا المتعلقة بواقعية أسعار السلع المصنعة والمستوردة وحالات الإغراق، يطالب أيضا “هذا الدور الفني يجب أن تلعبه الوزارة”، وهو ما دعا النائب البرلماني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مجدي شمس الدين للمناداة بضرورة إعادة تعريف مهمة الوزارة، ومعرفة المطلوب منها، وهي المداخلة التي قابلت رضا من جانب الوزير، واستدل عليها في معرض حديثه بضرورة توسيع اختصاصات وزارته لتشمل الإشراف فنيا على إنشاء المصانع وهو الدور الذي تقوم به الولايات وفي أسوأ الفروض أيضا تقوم به المحليات. (3) بدت النائبة البرلمانية عفاف أحمد ناقمة وساخرة على وضع الصناعة بالبلاد، عندما وسمت راهن سياساتها الحالي بأنه شبيه بتفكير “أجدادنا القدماء”، وقالت إن المسؤولين سعيدون ويحتفلون بافتتاح مصنع للملح الميودن، ووصفت البيان بأنه تعبير عن فشل الصناعة، ويبدو أن ذلك ما قصده الوزير كون إدارة وزارة مهمة واختصاصها على هامش العملية الصناعية، وبعيدة عن عمقها المطلوب، فالوزير يرى في صناعة ذات ميزة تفضيلية كما هو الحال في صناعة اللحوم وبدعم لازم وإزالة بعض المعوقات سيكون مردوده الاقتصادي كبيرا جدا وسريعا. (4) بصريح العبارة كما يقولون يشير موسى المك إلى أن حاجة البلاد من القمح والدقيق بغرض الاستهلاك المحلي غير متفق عليها، لكنه يشير إلى أن الاستهلاك يبلغ (1.2) مليون طن، قبل انفصال الجنوب، لكنه يشير بغرابة إلى أن الرقم قفز لثلاثة ملايين طن في العام (2017) بسبب دولار القمح والدقيق المدعوم وتسرب الدقيق للاستخدامات الأخرى والتهريب، ولا يرى الوزير من بد لدعم هذه الصناعة وتلبيتها لحاجة الاستهلام المحلي إلا عبر زيادة الرقعة الزراعية للقمح وإعلان أسعار تشجيعية أو بدعم مباشر وتحريك المطاحن الصغيرة والمتوسطة بتوفير القمح لهم من المخزون الاستراتيجي وفتح أسواق الصادر للمطاحن الكبيرة والمؤهلة. (5) وجر البيان المهم قضية الصناعة نحو المربع الراهن حول الفساد، عندما كشف المهندس عبد الله مسار رئيس لجنة الصناعة عن اختفاء (35) مليون يورو عبارة عن قرض هندي كان موجها لصالح تطوير الصناعة، وتساءل بقوله: “أين ذهب هذا المبلغ؟”، في وقت التزم فيه وزير الصناعة موسى المك كرامة بكشف ملابسات اختفاء المبلغ وموافاة الصحفيين بالتفاصيل، ووجه مسار انتقادات قاسية للأوضاع التي تعايشها الصناعة في البلاد وقال إنها ترقد على فراش الموت وستموت غدا في ظل عدم توفر اهتمام الدولة، وكشف مسار عن فرض رسوم وغرامات على مدخلات إنتاج الصناعات المختلفة تصل ل(20) مليار جنيه، وقال إن المدخلات الآن متكدسة بآلاف الأطنان في الميناء بسبب السياسات الأخيرة. (6) ولم نكن لنغادر مضمار الصناعة دون ذكر قضية (منع أكياس النايلون)، التي تنحدر من قرار ولائي لا يؤيده رئيس لجنة الصناعة، الذي سخر من تنفيذ القرار وقال إنه معيب لجهة أن الأكياس الآن يتم استيرادها من مصر ويتم تصنيعها في المنازل، من جهته مضى النائب، قبل أن يختم لازمة حديثه بالقول: “الصناعة في غرفة الإنعاش وربما تموت”، لكن التعبير الأقسى من بين مداخلات نواب البرلمان والحاض على ضرورة دعم الصناعة جاء من النائب عيسى بشري عضو البرلمان عن دوائر المؤتمر الوطني حينما قال إن تقرير وزارة الصناعة الذي قدمه الوزير موسى كرامة لفت نظرهم كنواب لكثير مما لا يعرفونه، وانتقد بشري اهتمام الدولة بالزراعة وقال إنه لن يقود لتطور وعلى الدولة أن تغير سياستها تجاه الاهتمام بالصناعة، وردد: “إذا لم نهتم بالصناعة فسنظل دولة فاشلة وتابعة”. (7) وعلى ما اتفق حوله الأعضاء من أن بيان وزارة الصناعة يجب أن يحول للجنة المختصة لرفده وتغذيته بمحاليل وريدية من القرارات الحكومية حتى يتسنى له التعبير عن وجه جديد وناضر للصحافة، مثلما اجتهد الوزير لكي يشمل كل جوانب مشاكل الصناعة ومعضلاتها التي تأبى أن تنفك، وزيادة اختصاصات الوزارة بما يمكنها من الخوض في مجالها برحابة وحرية، تشبه أداء وزير موسى كرامة الذي يبدو أن حزبه المؤتمر الشعبي قد قدمه فعليا في مهمته الوطنية ولم يستبق شيئا.