لم يدر بخلد المعلم عثمان السيد، الذي تنحدر أصوله من وادي حلفا بشمال البلاد، أن الطالب الذي استقطبه أو فلنقل جنده للانضمام لتنظيم الإسلاميين في العام 1964 بمدرسة سنكات الوسطى، سيأتي يوم ليتبوأ فيه مناصب قيادية بالدولة، وذات الأمر لم يكن في مخيلة حاكم الإقليم الشرقي في فترة الديمقراطية الثالثة الفقيد محمد عثمان حامد كرار الذي اختاره لتولي منصب وزير المالية ليكون أطول دستوريي السودان بقاءً في المناصب. وبين العام 1988 الذي شهد تعيينه وزيرًا للمالية، والعام 2018، ثلاثون عامًا قد انصرمت وما يزال الرجل في الواجهة يتقلب في المناصب، ليظل والي الجزيرة محمد طاهر إيلا أكثر الشخصيات إثارة للجدل، فهو في نظر أنصاره قد نجح في ملامسة ثريا النجاح، وعلى الضفة الأخرى من النهر يجلس خصومه الذين ظلوا يؤكدون أنه يجسد الشمولية في اوضح صورها، وعلى كل حال، فإن ولايته تحتضن اليوم اجتماع مجلس الوزراء الاتحادي. انتقال وتدرج في مدينة جبيت التي تتوسط سلسلة جبال البحر الأحمر وتتمتع بأجواء معتدلة طوال أيام العام، فإن محمد طاهر إيلا أطلق صرخته الأولى في العام 1951، يمكن القول إن الصغير نشأ، وفي فمه ملعقة من ذهب، والده كان من كبار أعيان المنطقة، وتاجر اشتهر بإجادة مهنته وبخلاف ذلك، فإنه كان صاحب وجود اجتماعي مؤثر، ووسط ستة إخوة نشأ مثل غيره من أقرانه في ذلك الزمن الذي كانت البلاد ترزح فيه تحت سلطة الاستعمار البريطاني. وعقب الاستقلال بعامين عرف طريقه إلى التعليم الذي كان في ذلك الوقت يمر بسلسلة من التعقيدات حتى يحظى الصغار بفرصهم في الجلوس داخل قاعة الدرس ونجح في الالتحاق بمدرسة جبيت الابتدائية، ليتوجه بعد ذلك صوب مدرسة سنكات لدراسة المرحلة الوسطى، وبعد ثلاثة أعوام حزم حقائبه ويمم صوب بورتسودان التي التحق فيها بالمدرسة الثانوية حيث برز بوصفه ناشطاً في اتحاد طلاب البجا، بعد نجاحه في المرحلة الثانوية في العام 1966 ، مجدداً وجد أن عليه مواصلة رحلة الترحال حينما تم قبوله بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم التي وبعد تخرجه منها تم تعيينه بهيئة الموانئ البحرية ليحظى في خواتيم عقد السبعينات بفرصة دراسة الماجستير ببريطانيا ثم يعود مرة أخرى الى السودان، ويواصل عمله في هيئة الموانئ البحرية إلى أن وصل منصب المدير. كابتن دستوريي الإسلاميين محمد طاهر إيلا يستحق لقب كابتن فريق دستوريي الإسلاميين فهو منذ العام 1988 ظل يتقلب في المناصب دون أن يصاب بالإرهاق، فقد تم تعيينه في آخر عهد الديمقراطية الثالثة وزيراً للمالية بالإقليم الشرقي، وعقب انقلاب تنظيمه على حكم التعددية تم تعيينه مديراً لهيئة الموانئ البحرية واستمر في هذا المنصب حتي 1994 ليعرف بعد ذلك الطريق إلى المناصب الدستورية بعدد من الوزارات منها التجارة الخارجية، الاتصالات والطرق والنقل، وفي العام 2005 وعقب توقيع اتفاقية نيفاشا تم تعيينه والياً على البحر الاحمر التي قضى بها عشرة أعوام، وفي العام 2015 أسندت إليه إدارة ولاية الجزيرة التي ما يزال على رأسها، وحول توليه عدداً من المناصب يقول إيلا في حوار صحفي " استفدت من المواقع التنفيذية وأضافت لي الكثير فالعمل في المجالات المختلفة جعلني أستفيد من الإرث الموجود في الوزارات، وكذلك من التجربة العملية، ومن كثير من الخبرات السابقة، فهيئة الموانئ مثلاً لا تسلمك أي وظيفة إلا بعد عامين تقضيهما في التدريب، وتمر على كل الأقسام، لذا عند الوصول إلى موقع متقدم تكون مررت على كل الوظائف". رفيق درب حول إيلا، فإن الآراء تتباين، هنا يقول عنه صديقه ورفيق دربه بروفيسور عوض حاج علي: أنا والأخ محمد طاهر أيلا تزاملنا في المرحلة الثانوية في العام 1967م وكان أيلا من مؤسسي الحركة الإسلامية بالمدرسة، وكانت تربطنا علائق أسرية وطيدة وراسخة، وعملنا سوياً في الحركة الإسلامية وتآخينا أخوة صادقة وكنا في العطلات والإجازات نسافر معاً لجبيت، ودخلنا جامعة الخرطوم وعملنا ضمن الاتجاه الإسلامي لجامعة الخرطوم، وكان إيلا من قيادات الكوادر الإسلامية في ثورة شعبان وبعد الثورة طردونا من الداخلية، وانتقلنا إلى السكن مع عيسى عمر عيسى في جامعة أم درمان الإسلامية في سكن خاص، وبعد التخرج عمل هو في هيئة الموانئ البحرية وعملت أنا استاذاً في الجامعة وبعثت لخارج السودان ( لنيوكسل ) في بريطانيا، وكان يزورنا كلما أتت به ظروف البحث والدراسة لبريطانيا، وعند ما بعث هو لجامعة (كاردف ) لنيل الماجستير ، كما ان تعدد وتنوع علاقاته لم يحل بينه وبين الانحياز لأهله، ولعل الأمر الذي لا يقبل إيلا التفريط فيه مطلقاً هو قضية النهوض بأهله البجا وكانت اهتماماته الكبرى وما زالت محصورة في ترقية مرافق المياه والتعليم والصحة في الشرق واشتركنا سوياً في إيجاد منح لطلاب البجا في الجامعات والمعاهد في الخرطوم، ويعتبر إيلا من الذين يعشقون الإنجازات، وهو رجل نشط وفعال، وقد ظهر ذلك في كل المناصب التي تولاها وحقق فيها نجاحاً كبيرًا. دكتاتوري من خلال مسيرة محمد طاهر إيلا خاصة بولايتي البحر الأحمر والجزيرة، فإنه كان وظل مثيراً للجدل، فكثيرون يؤكدون أنه صاحب إنجازات لا تخطئها العين، فيما يعتقد آخرون أن جل تركيزه ينصب على الحجر ولا يهتم كثيراً بتطوير البشر. ويسرد القيادي بالمؤتمر الوطني ناصر الطيب، الكثير من النماذج التي تعضد رأيه فيما يتعلق بتركيز إيلا على مشروعات ليست ذات جدوى، ويقول إنه وطوال فترة حكمه لولاية البحر الأحمر دخل في صراعات لا حدود لها مع الكثير من المكونات السكانية وقيادات سياسية بحزبه، فهو خلافي من الدرجة الأولى ولا يعرف العمل في الأجواء الهادئة، ومن الذين يرفضون أن يعمل بجانبهم أصحاب الرأي المستقل، ويلفت إلى أن إيلا لم يتخلص من عيوبه هذه بعد ذهابه إلى ولاية الجزيرة، فقد واصل اهتمامه بالمشاريع الانصرافية ودخل في صراعات مع كل من يخالفه الرأي وضرب مثلا بتشريعي الجزيرة، ويرى بأن مسيرته لازمتها الكثير من الإخفاقات التي لا يمكن غض الطرف عنها حتى لو رصف كل طرق السودان بالأسفلت وشوارعه بالانترلوك، ويرى أن أبرزها شموليته وعشقه تنفيذ مشروعات لا تصب كثيراً في دعم الاقتصاد الوطني. اعتداد بالنفس ويمتاز إيلا بالاعتداد بالنفس، ولا يرى في النقد الذي يوجه ناحيته حرجًا، وله قول شهير في هذا الصدد للزميلة "اليوم التالي": "وجود الأعداء والمعارضة طبيعي حتى الرسل والأنبياء كان لديهم أعداء، ولا يوجد من أجمع عليه الكل، حتى الذات الإلهية هنالك من لديهم رأي فيها، فما بالك ببشر.. هذا شيء طبيعي بيني وبين المواطن هم يقولوا كلامهم ونحن نقول كلامنا. وبصفة عامة فإن إيلا يظل من قيادات الإسلاميين النادرة التي ظلت تمضي ظاهرياً عكس أيدلوجية حزبه المؤتمر الوطني فالرجل الذي يبلغ من العمر 67 عاماً يرى في السياحة بكل أنشطتها الغنائية والثقافية رافداً للاقتصاد، والجدل حوله لا ينتهي، فهو في نظر معجبيه من أنجح الدستوريين، فيما يعتقد معارضوه أنه مجرد مسؤول يجيد تبديد المال العام.